ما السر في صعوبة التدريب على اتخاذ قرارات أخلاقية

5 دقائق
صعوبة التدريب على اتخاذ القرار
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تتمثل إحدى معضلات اتخاذ القرارات الأخلاقية في صعوبة التدريب على اتخاذ القرار لا سيما أن العديد من هذه القرارات التي تنطوي على جانب أخلاقي والتي تبدو واضحة أو شديدة السهولة في قاعة المحاضرات أو خلال جلسات التدريب قد يبدو حلها بالغ الصعوبة عند التعامل معها على أرض الواقع عندما يُطلب منك اتخاذ القرار بشأنها.

صعوبة اتخاذ القرارات الأخلاقية

خذ على سبيل المثال القرار الذي كان على سام واكسل، الرئيس التنفيذي السابق لشركة “إمكلون” الناشئة في مجال التقنية الحيوية. ففي عام 2001 كانت “إمكلون” في انتظار الحصول على موافقة “إدارة الغذاء والدواء” (إف دي أيه) الأميركية، على أحد الأدوية التي طال انتظارها لمرض السرطان، ولكن الإدارة قررت، بخلاف ما كان متوقعاً، عدم منح الشركة تصريح إنتاج هذا الدواء وتم رفض طلب الشركة. وما كان من واكسل حين تسرّبت أنباء عن هذا القرار ووصل إليه على مستوى فردي إلا أن تحدث مع ابنته وطلب منها بيع أسهمها في الشركة قبل الإعلان الرسمي والعام عن قرار الإدارة والذي سيسبب هبوطاً حاداً لأسعار أسهم الشركة.

لأي مراقب خارجي قد يبدو قرار واكسل قصير النظر بشكل غير معقول وربما غير حكيم. لقد كان ما حصل نوعاً من التنازلات الداخلية التي يهتم بها المراقبون باستمرار، وهذه حقيقة لم تكن غائبة عن ذهن واكسل، خاصة بعد أن قال، معلقاً على قراره البعيد عن الصواب: “لا أدري كيف كنت أفكر، أو كأنني لم أكن أفكر أصلاً”.

بلا شك، كان واكسل مديراً يتمتع بقدر كبير من الذكاء والقدرة على التفكير الاستراتيجي، ولكن حين كان عليه اتخاذ قرار أخلاقي في واقع العمل، فإنه تعرض للإخفاق. في المقابل، لو عرض هذا الموقف على أي شخص في سياق تدريبي فإنه على الأغلب لن يقدم على اتخاذ ذلك القرار نفسه. بل حتى واكسل نفسه لو تعامل مع تلك المشكلة منفردة بمعزل عن بقية المشاكل، فمن المحتمل أنه لم يكن قد اتخذ قراراً مماثلاً. فلماذا تبدو القرارات الأخلاقية كتلك التي واجهها واكسل سهلة الحل أحياناً حين تعرض لنا في قاعة المحاضرات ولكنها في المقابل تبدو عصية على الحل عندما نواجهها في واقع الحياة العملية؟

ثلاثة عوائق لاتخاذ القرارات الأخلاقية

هنالك ثلاثة عوائق تجعل اتخاذ القرارات الأخلاقية في بيئة العمل مختلفة وأصعب من التعامل معها في سياق التدريب.

الأمر الأول والأوضح هو أن القرارات التي يترتب عليها عواقب كبيرة يتم تحديدها للمشاركين في جلسة التدريب. وعوضاً عن التعامل مع التحدي الماثل في الوقوف على القرار الأسلم من بين مئات القرارات الأخلاقية التي تتخذ يومياً، فإن المشاركين في التدريب لا يضطرون للتعامل سوى مع مشكلة واحدة محددة بكل وضوح. عادة، تميل هذه التدريبات إلى المبالغة في تبسيط أحد أهم التحديات، وهو ذلك المتعلق بتحديد المعضلة الأخلاقية في المقام الأول، وذلك عبر تحديد قرار واحد فقط يلزم التعامل معه والتركيز عليه.

ومن أجل تقدير مقدار الصعوبة في مجرد تحديد طبيعة المعضلة الأخلاقية، على سبيل المثال، يمكننا أن ننظر إلى الخيار الذي اتخذه راجات غوبتا، المدير الإداري السابق لشركة “ماكنزي أند كومباني”، حين تواصل مع ملياردير يعمل سمسار صندوق استثمار تحوّط بعد اجتماع مجلس إدارة في “غولدمان ساكس”. أمضى غوبتا عقوداً في مسيرة ناجحة في توطيد ثقة عملائه بالشركة وقد حظي بتقدير كبير لجهوده التي بذلها وقراراته الحكيمة والصائبة التي أقدم عليها طيلة تلك المدة. ولكن، يبدو أن ما فعله غوبتا حين أفصح عن معلومات سرية من اجتماع مجلس الإدارة إلى ذلك السمسار كان خطأ تافهاً من السهل تحديده والتعرف عليه. إلا أنه في غمرة كل تلك القرارات التي كان يتخذها في تلك اللحظة، فإنه لم يتمكن من تحديد الجانب الأخلاقي لذلك القرار المهم الذي كان عليه التعامل معه في ذلك اليوم. ولو كان المساحة المتوفرة للتفكير بهذا القرار الأخلاقي أكثر وضوحاً، لكان لديه بلا شك مجال أكبر لتفادي احتمال الخطأ حينها، وكان بوسعه تجنب الإقدام على ذلك القرار الخطير.

أما العامل الثاني، فهو التمييز بين الإقدام على القرارات المهمة في سياق التدريب وفي واقع الحياة العملية، وذلك لأن التدريب يكشف بلا شك عن وجهات النظر والأحكام المتباينة المتعلقة بموقف ما. وعلى الرغم من أن العديد من المؤسسات تعبّر بوضوح عن رغبتها في الحصول على آراء وأفكار متعددة، فإن هذه الأفكار المختلفة في الواقع العملي تشوبها في كثير من الأحيان رغبة في الاتفاق مع الآخرين أو إرضائهم. وحتى في الإدارة العليا للمؤسسة نجد أن المدراء المستقلين يجدون صعوبة بالغة في التعبير عن اختلافهم في الرأي. خذ على سبيل المثال حالة دينيس كوزلوفسكي، الرئيس التنفيذي السابق لشركة “تايكو” والذي ارتقى بهذه الشركة التي كانت بالكاد معروفة لتصبح مجموعة عالمية كبيرة من الشركات، ولكنه أحيل لاحقاً إلى القضاء بسبب اتهامات جنائية تتعلق بالابتزاز. لقد تحدث كوزلوفسكي عن التحديات التي واجهها لتشجيع أعضاء مجلس الإدارة على مخالفته وعدم دعمه حين كان أداء الشركة على ما يرام. يقول كوزلوفكسي: “حين يكون الرئيس التنفيذي موجوداً في قاعة الاجتماعات، يحاول المدراء، حتى المستقلون منهم، دائماً إرضاءه وعدم مخالفته… ولذا كان مجلس الإدارة على استعداد لمنحي أي شيء أريده، أي شيء”.

أخيراً، في سياق التدريب، يكون بوسع الشخص قضاء ساعة كاملة في التحليل الدقيق بمسألة ما، ولكن معظم القرارات في الواقع العمليّ تحدث بسرعة كبيرة وتعتمد غالباً على الحدس وليس على التفكير التأملي الدقيق. وقد يسبب هذا الأمر إشكالاً كبيراً فيما يتعلق بالقرارات الأخلاقية، والتي تعتمد في كثير من الأحيان على الحدس وتخضع لأمور متعارف عليها، مما قد يؤدي إلى أحكام غير منطقية لا تتوافق بالضرورة مع ما كنا سنصل إليه لو أتيح لنا المزيد من الوقت للتفكير بالمسألة التي بين أيدينا.

في الواقع، من السهل جداً أن نقع في هذه الحالة من اللاعقلانية، وهذا ما أكدته المتخصصة في علم نفس الاجتماع إلين لانغير، التي أجرت عدة تجارب ذكية في سبعينيات القرن الماضي. نشرت لانغر وزملاؤها الباحثون مذكرة غير مهمة ولا معنى لها في شركة ما، وكانت تلك المذكّرة معدّة بالطريقة الرسمية المعهودة في الشركة، ولم تشتمل سوى على توجيه بإرجاعها، إذ كُتب فيها: “يرجى إعادة هذه المذكّرة إلى الغرفة 247”. وعلى الرغم من أن ردة الفعل العقلانية المتوقعة كانت ببساطة تجاهل هذه المذكرة السخيفة، استجاب 90% من الموظفين لمحتواها.

عندما لا تمتلك سوى وقت ضيّق وثمين للتفكير بعمق في القرارات التي أمامك، فإننا نلجأ إلى الاعتماد على الحدس والمعايير المتعارف عليها من حولنا ونتيح لها توجيه أفعالنا. وفي مثال حدث مؤخراً في مصرف “ويلز فارغو” (Wells Fargo)، لم يكن معظم الموظفين يمتلكون ما يكفي من الوقت أو الحافز لانتقاد الإجراء السائد في الشركة والمتعلق ببيع المنتجات دون موافقة العميل، لقد كان المعيار هنا هو الثقافة المنتشرة التي تؤيد تلك الممارسات التي يشوبها الفساد. ولكن الحفاظ على الكفاءة والإنتاجية العالية كانا أهم من بذل بعض الوقت للتفكير بالتبعات الأخلاقية المتعلقة ببيع المنتجات للعملاء دون معرفتهم. ولو كان للموظفين فرصة أفضل للتفكير بتلك الممارسات في بيئة عمل أقل تقييداً وضغطاً، سيكونون أكثر مقدرة على إبداء امتعاضهم أو مخالفتهم لتلك الممارسات.

يتمثل التحدي الذي يواجه الشركات في حل مشكلة صعوبة التدريب على اتخاذ القرار وخلق بيئة عمل تجعل اتخاذ القرارات الأخلاقية أسهل وليس أكثر صعوبة. كما أن تقديم التدريب الذي يقارب بيئة العمل الواقعية وظروفها بشكل أكبر وما تشتمل عليه من ضغوط عند اتخاذ القرارات الأخلاقية هي الخطوة الأولى الأمثل للتعامل مع هذه التحديات المهمة. إن الرياضيين المحترفين يعرفون أنهم بحاجة إلى التدريب في بيئة مماثلة لتلك التي سيخوضون فيها المنافسات، ويجب أن يحرص المدراء على هذا الأمر كذلك إن كانوا يريدون التدرب والتجهز للتعامل مع التحديات الأخلاقية الكبيرة التي لا بد أن يواجهوها.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .