التطور التكنولوجي يسفر عن تخصصات جديدة في إدارة الأعمال

4 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعتبر الشركات أو المؤسسات عصب الاقتصاد ولبناته الأساسية التي تدفعه إلى النمو والازدهار. ويعلم المهتمون بتخصصات الإدارة وتطبيقاتها أنّ للمؤسسة وظائف ست وهي: وظيفة المشتريات والتوريد، والبحث والتطوير، والإنتاج، والمحاسبة والمالية، والموارد البشرية والتسويق، ومن السهل الاستنتاج أنّ خريجي كليات الإدارة يستحوذون على خمس من هذه الوظائف. وعليه، فإنّ دفع عجلة الاقتصاد يتطلب اهتماماً من المسؤولين بعلوم الإدارة وتخصصاتها المتشعبة. علماً أنّ رؤية العرب لعام 2030 تركز على التحول الرقمي، ودعم القطاع الخاص، والمشروعات الصغيرة، وريادة الأعمال، وتنوع الاقتصاد، وجلب الاستثمارات الأجنبية، وتنمية رأس المال الاجتماعي، والمحافظة على البيئة، وتنشيط السياحة، وكلها حقول أصيلة لخريجي تخصصات الإدارة المختلفة. لذلك، ولتحقيق طموحات العرب لعام 2030، إننا بحاجة إلى برامج دراسية خاصة بمحاور الإدارة.

في الوقت الحالي، تفاعلت تخصصات الإدارة مع الطفرات التكنولوجية الحديثة، حيث أخذت منها وأعطتها ما أنتج تخصصات جديدة وخلاقة أقبلت عليها الشركات الكبرى.

وتعتبر تقنيات الذكاء الاصطناعي من أهم الطفرات التكنولوجية، حيث أحدثت طفرة كبيرة في مجال المال والأعمال، ما ولّد حاجة لدى الشركات الكبرى للحصول على خريجين قادرين على جمع وتحليل البيانات عن احتياجات العملاء ومشاكل المنتجات، وباستطاعتهم التنبؤ بمستقبل الصناعة، وتحليل وضع الاقتصاد، ودراسة القوى المنافسة، وتحليل الطلب على المنتجات، وعرض مستلزمات الإنتاج، وغيرها من المعلومات الضرورية لصناعة القرار ودعم وتحسين العمليات وإرضاء العملاء، ومن ثم المنافسة والبقاء في السوق وحصد الأرباح، وهو ما يقدمه تخصص “ذكاء وتحليل الأعمال” (Business Intelligence & Analytics). وتشير بعض التقارير إلى أنّ هناك 240 برنامجاً لدرجتى البكالوريوس والماجستير في مجال “ذكاء وتحليل الأعمال” في الولايات الأميركية وحدها. وتشير التقارير إلى أنّ السوق ستحتاج إلى قرابة 3 ملايين متخصص في هندسة الإنسان الآلي والذكاء الاصطناعي بحلول العام 2020.

اقرأ أيضا: فوائد التعلم مدى الحياة.

وفي العام 2009 طور ساتوشي ناكاموتو كود العملة الرقمية بيتكوين، كتطبيق عملي لتقنية “البلوك تشين”. وهي عبارة عن قواعد بيانات ضخمة وموزعة يمكن زيادتها باستمرار، وتحتوى على البصمة الزمنية لكل سجل، وهو سجل يتم ربطه بالسجلات الأخرى ولا يمكن تعديله بعد حفظه. وعلى نفس المنوال، أحدثت تقنية بلوك تشين وما صاحبها من عملات رقمية طفرة كبيرة في عوالم المال والأعمال وما يتعلق بهما من علوم. وعليه، بدأت الجامعات الأميركية بإعطاء مقررات دراسية ودورات خاصة في البلوك تشين منها: جامعة بريستون ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي) وجامعة نيويورك (إن واي يو) وجامعة كاليفورنيا في باركلى وستانفورد وكورنيل وديوك. ويتوقع الخبراء أنّ طلبة المحاسبة الذين لا يدرسون البلوك تشين لن يستطيعوا المنافسة في المستقبل القريب.

وطبقاً لتقرير لصحيفة يو إس نيوز، تعرض 17 جامعة أميركية تخصص جديد يعرف بتخصص “الاستدامة” (Sustainability) وهو تخصص يجمع بين القانون والأخلاق والاقتصاد وإدارة الأعمال وإدارة الموارد. والجدير بالذكر أنّ الاستدامة هي أحد طموحات رؤية المملكة العربية السعودية لعام 2030. وطبقاً للتقرير ذاته لاقى خريجو هذا التخصص إقبالاً كبيراً من الشركات الحريصة على تقليل الفاقد والهدر وتدوير المخلفات والمحافظة على البيئة، وهو أحد تخصصات إدارة الأعمال. ومن الجامعات التي توفر هذا التخصص جامعة ساوث داكوتا وجامعة كورنيل وجامعة ولاية أوريغون.

وعلى نفس المنوال، هناك استثمارات ضخمة وتقدم هائل في تقنيات الشبكة العنكبوتية والحوسبة السحابية. فمع زيادة عدد وقدرات أجهزة إنترنت الأشياء مثل: المصاعد الذكية، ومواقف السيارات الذكية، والسيارات التي تعمل من دون سائق، والطائرات التجارية التي تعمل من دون طيار، والقطارات، ومترو الأنفاق، والمزارع الذكية، ومحطات توليد الطاقة المؤتمته، ستحتاج هذه التقنيات إلى إدارة مركزية عن بعد، وهذا ما توفره الحوسبة السحابية. إذ تسابقت الجامعات الأميركية على الاستحواذ على حصة مرضية من هذه السوق الواعدة. وتحديداً، هناك نحو 166 برنامجاً لدرجتي الماجستير والبكالوريوس في الحوسبة السحابية ضمن عدة جامعات. على سبيل المثال: في جامعات كولورادو وميريلاند والينوى وغرينفيل وأريزونا.

ومع زيادة قدرات ومهارات قراصنة الإنترنت، زادت حاجة الحكومات لخبراء في مكافحة الجرائم الإلكترونية، وهذا ما يوفره تخصص “أمن الفضاء الإلكتروني – سايبر سيكيوريتي” (Cyber Security) . إذ أصبح من الشائع أن تجنّد الدول آلاف القراصنة وأخصائي أمن المعلومات ضمن ما يعرف بـ”الجيوش الإلكترونية” بهدف حماية البنية الإلكترونية للدولة من هجمات قراصنة الحاسوب والمجموعات التابعة لدول معادية. وتوجد تلك الجيوش في إيران والصين والولايات المتحدة وباكستان والهند وإندونيسيا. على سبيل المثال، جنّدت وزارة الدفاع الأميركية ما يزيد على 4 آلاف متخصص في عمليات المعلوماتية بين عامي 2012 و2014.

وتعرض الجامعات الأميركية قرابة 75 برنامجاً تعليمياً يقدم شهادة في تخصص جديد يسمى “حماية الوطن” (Homeland security) لتلبية حاجة الولايات المتحدة من الخبراء في المجال عينه.

وعلى نحو مماثل، يتوقع أن يحتاج السوق الأميركي إلى 4.4 مليون متخصص في “علم البيانات” (Data Science) بحلول العام 2020.

وذكر تقرير لمجلة فوربس أنّ من بين التخصصات العشرة التي لاقت الإقبال الشديد من الشركات الأميركية لعام 2017، كان تخصص المالية قد استحوذ على المرتبة الأولى، تلاه تخصص المحاسبة، ثم إدارة الأعمال، ومن بعد ذلك تخصص علوم الحاسب، ثم هندسة الميكانيك، ومن بعده تخصص نظم المعلومات الإدارية، وكان تخصص نظم المعلومات في المرتبة السابعة، تلاه تخصص إدارة العمليات اللوجستية والتوريد، ثم هندسة الكهرباء، وكان ترتيب الاقتصاد في المرتبة العشرة بين أكثر عشر وظائف مطلوبة لذلك العام، وبذلك تستحوذ كليات الإدارة على سبع من الوظائف العشر الأولى في الولايات المتحدة. وهنا ننوه إلى ندرة أو انعدام برامج إدارة العمليات اللوجستية والتوريد في الجامعات العربية.

ومع تفجر ثورة الشبكات الاجتماعية بآثارها النافعة والضارة، ظهرت الحاجة إلى تخصص جديد يجمع بين علوم الاجتماع ونظم المعلومات وهو ما يعرف بتخصص “نظم المعلومات الاجتماعية” (Social Informatics)، حيث يبرع خريجوه في مجال التجارة الاجتماعية والاستشارات المتعلقة بجرائم المعلومات ومعالجة إدمان الإنترنت واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في الأعمال والتسويق.

لقد احتضنت كليات الإدارة الأميركية تخصصات أخرى جديدة خرجت من رحم التطور التقني ومنها نظم معلومات التمريض، ونظم معلومات السلوك، ونظم معلومات التربية الرياضية (Sports Informatics)، ونظم المعلومات الجغرافية، ونظم المعلومات الصحية، ونظم المعلومات الاجتماعية ونظم معلومات سلسلة التوريد وتخصص إدارة التكنلوجيا والابتكار. فالتقدم التكنولوجي وتنوع احتياجات العملاء وتباين ظروفهم وإمكانياتهم زاد من درجة التخصيص، لذلك برزت الحاجة للتخصصات الدقيقة ولا سيما تلك التي تجمع بين مجالين وهو ما يعرف اصطلاحا بتداخل التخصصات (Interdisciplinary).

وربما يتذكر البعض أنّ الجامعات العربية أخذت عقوداً حتى قدمت مقررات دراسية وشهادات في نظم المعلومات المحاسبية، وما زالت مترددة إلى الآن في تقديم برامج دراسية في مجال التدقيق والمراجعة على الرغم من أنّ مقررات التخصص وبرامجه الدراسية موجودة في كثير من كليات الإدارة المرموقة في العالم. بل هناك جامعات تفوقت على نفسها وقدمت نسخة عصرية من هذا التخصص. إذ أدمجته مع نظم المعلومات، فأصبح تخصص “تدقيق نظم المعلومات” (Information System Audit). ومن هذه الجامعات جامعة ولاية جورجيا وروتجر وكليفلاند ستيت وجامعة بنتلي وجامعة دلهي الهندية.

كما أنّ الجامعات العربية بدأت حديثاً عرض تخصص “نظم المعلومات الحيوية” (bioinformatics)، على الرغم من أنّ مشروع الجينوم قد اكتمل في العام 2000، وتنافست الجامعات الأميركية على عرض هذا التخصص بعدها مباشرة. وبالمثل، يوجد قلة من كليات الهندسة العربية التي تقدم تخصص في الطاقة المتجددة، رغم أنّ المستقبل ونفس المنطق ينطبق على تخصصي هندسة الروبوت وألعاب الحاسوب.

فهل ستستجيب كليات الإدارة في عالمنا العربي لهذه التطورات حتى تنتج خريجين أكثر قدرة على حل مشاكل المجتمع والارتقاء بشركاتنا وتمكين اقتصادنا من المنافسة عالمياً؟ علماً بإنّ الحصول على أول خريج من هذه التخصصات النادرة يستغرق نحو سبع سنوات بداية من اقتراح البرنامج ثم الموافقة عليه ثم عرضه؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .