هل يقلل الذكاء الاصطناعي التحيّز ضد المرأة في عمليات التوظيف؟

6 دقائق
الذكاء الاصطناعي والتمييز ضد المرأة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يُزعزع الذكاء الاصطناعي كل مجال من مجالات الحياة، بما في ذلك كيفية عثور المؤسسات على الأفراد المواهب. وتدرك الشركات عموماً أهمية العائد على الاستثمار عند العثور على الشخص المناسب للوظيفة المناسبة. وقدّرت شركة ماكنزي أنه من المتوقع أن تكون إنتاجية الموظفين النجوم أكثر بنسبة 800% من الموظفين متوسطي الأداء فيما يخص المناصب شديدة التعقيد. وأظهرت دراسة حديثة أجرتها كلية هارفارد للأعمال وجود فوائد أكبر لتجنب العمال السامين. فماذا عن موضوع الذكاء الاصطناعي والتمييز ضد المرأة في بيئة العمل؟

اقرأ أيضاً: هل تُحسن الأتمتة عمل المرأة أم تجعله أسوأ؟

على الرغم من هذا الدور الحاسم للأفراد المواهب، لا تزال المؤسسات غير قادرة على اجتذاب الأفراد المناسبين منهم، معتمدة على الحدس بدلاً من ممارسات تحديد المواهب القائمة على البيانات، وخاصة فيما يتعلق بكبار الموظفين، حيث تكون الأرباح أعلى بالفعل. وفي الواقع، حصل الكثير من القادة على مناصبهم على أساس خبرتهم الفنية أو نتيجة التأثير السياسي أو على أساس أدائهم في المقابلات. وكما أوضحتُ في كتابي الأخير الذي يحمل عنوان “لماذا يصبح الكثير من الرجال غير الأكفاء قادة؟ (وكيفية إصلاح هذا)” (Why Do So Many Incompetent Men Become Leaders?: (And How to Fix It))، تركز معظم الشركات على السمات الخاطئة، وتوظّف أفرادها على أساس الثقة بدلاً من الكفاءة، والكاريزما بدلاً من التواضع، والميول النرجسية بدلاً من الاستقامة، وهو ما يفسر وجود فائض من القادة الذكور غير الأكفاء. وتنطوي النتيجة على وجود تباين غير منطقي بين السمات التي تغوينا في قائد ما، وبين السمات التي نبحث عنها في القائد الفاعل.

الذكاء الاصطناعي والتمييز ضد المرأة

السؤال الذي يطرح نفسه هو “إلى أي مدى يمكن للتقنيات الجديدة في العالم الجديد الشجاع المعزز بأدوات التوظيف القائمة على الذكاء الاصطناعي أن تساعدنا في الحد من الأخطاء والجلبة والانحياز في عمليات تحديد المواهب في شركاتنا؟” على سبيل المثال، هل سيكون لدى النساء حظاً أوفر إذا كان الذكاء الاصطناعي والخوارزميات مسؤولين عن التوظيف؟ لقد أبرز البحث السابق عدم تناسق واضح بين النوع الاجتماعي والقيادة. فمن ناحية، غالباً ما تحصل النساء على تقييمات أكثر سلبية من قبل الآخرين، حتى عند وجود القليل من الاختلافات السلوكية بين النساء والرجال. ومن ناحية أخرى، تشير التحليلات الوصفية واسعة النطاق إلى أن النساء يتمتعن بأفضلية طفيفة عندما يتعلق الأمر بالمهارات الشخصية التي تهيئ الأفراد ليكونوا قادة أكثر فاعلية، وأنهن يتبنّين أساليب قيادة أكثر فاعلية من الرجال عموماً. على سبيل المثال، إذا ما وقع اختيار القادة على أساس ذكائهم العاطفي ووعيهم الذاتي وتواضعهم واستقامتهم ومدى تقبلهم التوجيهات، سيكون غالبية القادة من الإناث وليس من الذكور.

ومع ذلك، شهدنا مؤخراً قصصاً إخبارية بارزة تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يسهم فعلياً في دفع المزيد من التحيز والتأثير السلبي ضد النساء، وأنه عندما تُدرب الخوارزميات على محاكاة الأفراد القائمين بالتوظيف، سيسفر عنها نتائج تعمل على إعادة توليد التحيزات البشرية وتضخيمها ومشاركتها في شكل أكثر فاعلية بكثير من أشكال التمييز.

ومن المؤكد أننا نشعر بالصدمة والخزي بسهولة أكبر عند توظيف أفراد غير مناسبين اختارهم الذكاء الاصطناعي، أكثر من شعورنا بالصدمة والخزي نتيجة الأخطاء البشرية أو تحيزات البشر. والأمر يشبه السيارات ذاتية القيادة إلى حد ما، إذ يتطلب الأمر تحطم سيارة واحدة ذاتية القيادة لإقناعنا بعيوب التكنولوجيا، إلا أننا موافقون على وقوع 1.2 مليون حادث مميت و50 مليون إصابة نتيجة القيادة كل عام بفضل البشر. لذلك، من المهم أن ندرك أن معظم ممارسات التوظيف هي ممارسات (أ) بديهية و(ب) غير فاعلة. ومقابل كل شركة تقوم بتعيين معظم قادتها بناءً على معايير موضوعية ومعايير الجدارة، يوجد العديد من الشركات الأخرى التي تكون هذه التعيينات نادرة فيها في الواقع، وإنما تحدث عن طريق المصادفة وبشكل مستقل عن نواياها. ومن الواضح أيضاً أنه لا يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي متحيزاً بقدر تحيز البشر، إذ إن هذا التحيز يتطلب امتلاك الذكاء الاصطناعي عواطف أو مشاعر أو آراء. ولا حاجة للذكاء الاصطناعي في أن ينخرط في تحيزات غير واعية لمعاقبة النساء أو غيرهن من الفئات المحرومة من أجل الحصول على تعزيز بتقدير الذات. وبالطبع، إذا دُرِّب الذكاء الاصطناعي مع البيانات المتحيزة فلن يقتصر هذا التدريب على محاكاة التحيز البشري فحسب، بل سيؤدي إلى زيادة هذا التحيز وجعله أكثر تأثيراً، مثل تدريب أدوات الذكاء الاصطناعي على كيفية التنبؤ بالمرشحين الذين سيحصلون على تقييم إيجابي من خلال المقابلات البشرية. بيد أنه من الممكن معالجة ذلك من خلال تعليم أدوات الذكاء الاصطناعي كيفية التنبؤ بالنتائج ذات الصلة والموضوعية، بدلاً من محاكاة الحدس البشري.

اقرأ أيضاً: لماذا العمل من المنزل لايصب في مصلحة النساء بالضرورة؟

بالإضافة إلى ذلك، يوجد أسباب تدفعنا إلى توقع أن تكون أدوات المواهب القائمة على الذكاء الاصطناعي أكثر دقةً وقدرة على التنبؤ من البشر، ولا تقتصر هذه الأسباب على كون البشر سيئين في هذا بشكل عام:

  • وتنطوي الطريقة التي نفضلها في فرز المرشحين وتفحص سيرهم الذاتية، بما في ذلك القادة، على إجراء المقابلات الشخصية، وقد أظهرت الدراسات العلمية واسعة النطاق أن المقابلات تكون أكثر تنبؤية عندما تكون محكمة التنظيم. وفي حين قد يكون من الصعب توحيد المقابلات الشخصية أو المقابلات المماثلة، فإن مقابلات الفيديو تسمح لنا للأشخاص أن يمروا من خلال التجربة نفسها بالضبط، وتمكّننا من استخلاص الملايين من نقاط البيانات في سلوكياتهم والمتمثلة في فحوى حديثهم وكيفية تحدثهم واستخدامهم اللغة ولغة أجسادهم وتعبيراتهم المصغرة، كما تمكننا هذه المقابلات من تحييد المراقبين البشر المتحيزين عن هذه العملية. وقد يكون من الآمن أن نفترض أن أتمتة جميع المقابلات غير المنظّمة والقائمة على التقييم البشري ستقلل من التحيز والمحسوبية، وستزيد من فرص التقييم على أساس الجدارة والدقة التنبؤية. ومن المفترض أن يكون هذا النهج جيداً بالنسبة إلى النساء وسيئاً بالنسبة إلى الرجال.
  • ويوجد بالطبع بعض المحاورين البشر الأذكياء بشكل لا يصدق، الذين قد يتفوقون بشكل عام على الخوارزميات، على الرغم من أن الفيلم الوثائقي التالي المرتقب على شبكة “نتفليكس” يعرض لنا كيفية تغلب الذكاء الاصطناعي على أفضل المحاورين البشر، تماماً مثل تغلبه على أعظم لاعبي الشطرنج أو لاعبي برمجية ألفا غو. وتتمثل المشكلة الرئيسة في عدم تمتع الأفراد بحس البديهة كما يعتقد معظمهم. ومقابل كل محاور رائع، يوجد المئات أو الآلاف من المحاورين الذين يعتقدون أنهم رائعين، إلا أنهم ليسوا كذلك في الواقع. ونبالغ جميعنا في تقدير حسنا البديهي، خاصةً عندما نفتقد هذا الحس في الواقع. وكما قال أحد مؤسسي حركة الاقتصاد السلوكي والحائز على جائزة نوبل دانيال كانيمان: “نحن عموماً على ثقة مفرطة في آرائنا وانطباعاتنا وأحكامنا”. وبغض النظر عن قدرة الذكاء الاصطناعي على اكتشاف المواهب، يمكننا أن نتوقع أن تكون أدواته أكثر وعياً بقدراتها من وعي البشر بقدراتهم. وهو ما سيسمح للذكاء الاصطناعي بالتطور، أكثر مما يُتوقّع من معظم البشر. ضع في اعتبارك أن المحاور العادي لن يعترف أبداً بارتكابه خطأً في التوظيف، إذ إنه سينغمس في عملية تأكيد التحيز الهادفة إلى رؤية المرشحين الذين قام بتوظيفهم شخصياً من منظور إيجابي بمجرد تكليفه بتقييم أدائهم. ويمتلك البشر بالفعل مهارة في خوض غمار هذه اللعبة، إذ إن قبول الأخطاء يجعلهم يبدون أغبياء، بينما لا تهتم أدوات الذكاء الاصطناعي بأن تظهر بمظهر الغبي.
  • وبغض النظر عن كون الذكاء الاصطناعي أفضل في اكتشاف الأشياء، مثل استخلاص الملايين من نقاط البيانات، تتمثل إحدى مزاياه الكبيرة أيضاً في تفوقه في تجاهل الأشياء. تخيل موظفاً يتسم بحسن الأخلاق والنية والانفتاح، وتنطوي أهدافه على أن يكون منصفاً في ممارسات التوظيف وأن يتجنب التحيز ضد المرأة في عمله. وبغض النظر عن الجهد الذي يبذله، سيكون من الصعب عليه أن يتجاهل جنس المرشحين. تخيل أنه جالس أمام مرشحة ويكرر أهدافه بقوله: “يجب ألا أفكر في حقيقة أن هذه المرشحة هي امرأة”، أو “لا يجب أن أدع جنس هذه المرشحة يتداخل مع تقييمي”. في الواقع، كلما حاول قمع هذا الفكرة، ستكون أكثر بروزاً في ذهنه. وهو ما قد يؤدي إلى تشتيت انتباهه أو المبالغة في التفاعل مع أحاسيسه. في المقابل، يمكن تدريب الذكاء الاصطناعي على تجاهل جنس الأفراد والتركيز على مؤشرات المواهب أو الإمكانات ذات الصلة. على سبيل المثال، يمكن تدريب الخوارزميات على استخلاص البيانات ذات الصلة بمهارات الذكاء العاطفي أو الكفاءة أو التواصل، وأن تكون عمياء تماماً فيما يخص النوع الاجتماعي. وهو ما قد يكون لصالح المرأة بكل تأكيد.
  • ويكمن العامل الحاسم في أن تحدد المؤسسات بيانات الأداء الحقيقية لتدريب الخوارزميات. حيث إذا دُرّبت أدوات الذكاء الاصطناعي على التنبؤ بالتفضيلات البشرية أو توقعها، يمكننا أن نتوقع آنذاك دوام التحيز وتفاقمه، مثل توقع ما إذا كان المدير سيُعجب بالمرشح بمجرد توظيفه. بينما إذا دُرّبت أدوات الذكاء الاصطناعي على تحديد الدوافع الفعلية للأداء المعرّفة على نطاق واسع على أنها مساهمة الفرد في المؤسسة، يمكننا أن نتوقع حينها تقييماً أكثر عدلاً وأكثر دقة وقابلية للتكرار لإمكانات الأفراد أكثر مما يمكن للبشر القيام به. وقد يكون هذا لصالح المرأة أيضاً.

اقرأ أيضاً: الفرق بين الرجل والمرأة في القيادة

وفي نهاية الحديث عن الذكاء الاصطناعي والتمييز ضد المرأة في بيئة العمل، يوجد أسباب واضحة تدعو إلى التفاؤل بشأن الذكاء الاصطناعي بالنسبة إلى أولئك الذين يهتمون في مساعدة النساء على أن يكنّ أكثر تمثيلاً في صفوف القيادة وفي تحسين نوعية قادتنا. ومع ذلك، لا تزال العديد من الابتكارات الناشئة في هذا العالم الجديد الشجاع الهادف إلى تحديد الأفراد المواهب على نحو قائم على التكنولوجيا ومدفوع بالبيانات “قيد التطور”، ونحن بحاجة إلى التأكد من أنها ليست دقيقة فحسب، بل أنها أخلاقية وأن تكون بمثابة بدائل قانونية للأساليب القائمة. والأهم من ذلك كله، أن الوقت قد حان لإدراك أن معظم الممارسات القائمة بعيدة كل البعد عن أن تكون فاعلة، وأنها ساهمت في الكثير من الظلم والمحسوبية التي تحكم مكان العمل العادي. لذلك، نترك بين أيديكم سبيلاً للعثور على الوعي الذاتي اللازم للبدء في التحسن بعد معالجة موضوع الذكاء الاصطناعي والتمييز ضد المرأة في بيئة العمل.

اقرأ أيضاً: ما حقيقة التنافس بين النساء في العمل

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .