البقعة العمياء في مبادرات التعاون

11 دقيقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

قبل بضع سنوات، قرر قادة شركة لأنظمة الطاقة تبلغ قيمتها السوقية مليارات الدولارات تقديم خطة خدمة ما بعد البيع لأحد منتجاتها. كانت خطة واعدة توقع واضعوها توليد إيرادات جديدة كبيرة وذات أهمية استراتيجية للشركة التي سأسميها “إينرجي باك”. وتمثل مفتاح النجاح في معرفة كيفية دمج خطة الخدمة بانسيابية مع عملية البيع. كانت الطريقة الأمثل لتحقيق ذلك، كما كان يعلم قادة الشركة، هي جمع العاملين في قسمي المبيعات والخدمات معاً وتوجيههم نحو التعاون في ما بينهم.

يدرك القادة الدور المركزي الذي يلعبه التعاون عبر فرق العمل في مجال الأعمال اليوم. إنها الطريقة التي تخطط بها الشركات من جميع الأشكال والأحجام، من “ستاربكس” و”سبيس إكس” إلى بنوك خدمة العملاء المميزين ومصانع المشروبات، للابتكار والحفاظ على مكانتها كفاعل مهم في السوق، وحل المشكلات التي تبدو غير قابلة للحل. إنها الطريقة التي يخططون من خلالها لتلبية توقعات العملاء المتغيّرة والحفاظ على حصة السوق والبقاء في طليعة المنافسين أو مواكبتهم. باختصار، إنها الطريقة التي تخطط الشركات من خلالها لتحقيق النجاح والمنافسة والبقاء على قيد الحياة.

كان قادة “إينرجي باك” يَعون هذا الأمر تماماً. لذلك طرحوا مبادرتهم وعقدوا اجتماعاً خاصاً مع قسمي المبيعات والخدمات شرحوا خلالها الأهمية المالية والاستراتيجية للعروض الجديدة. طوروا خطة عمل واضحة للأسابيع والأشهر المقبلة وحددوا حوافز وعينوا أحد قادة الشركة الكبار ليكون متفرغاً للمشروع ومتاحاً للمجموعتين، ووفروا تمويلاً وافياً لها. ولم يطلقوا مشروع التعاون إلا بعد أن تحققوا من تنفيذ كل الخطوات اللازمة، مع أمل كبير بتحقيق نتائج مُرضية.

لكن المبادرة سرعان ما واجهت عقبات نظراً لعدم تعاون المبيعات والخدمات. بدلاً من ذلك، بدأ القسمان يتخذان قرارات مهمة حول المشروع كل بمفرده ويعقدان اجتماعات منفردة حول الموضوعات ذات الاهتمام المشترك. ماطلوا في تبادل البيانات، أو أغرق كل قسم الآخر ببيانات بمختلف الصيغ، ما جعل من المستحيل تقريباً تفسيرها أو استخدامها. وغني عن القول، باتوا متخلفين عن تحقيق أهداف الخطة التي انتهى بها الأمر إلى الفشل بعد فترة تخبط.

فكرة المقالة بإيجاز

المشكلة

عندما يطلق القادة مبادرات مشتركة تتطلب التعاون بين مجموعات وفرق مختلفة داخل الشركة، فإنهم يهملون في كثير من الأحيان التفكير في الكيفية التي قد يهدد بها التعاون المقترح أمن المعنيين بالتعاون. قد تشعر المجموعات بالتعدي على مجال صلاحياتها وتتخذ رداً على ذلك موقفاً دفاعياً.

الحل

يجب أن يبدأ القادة الراغبون في تحقيق تعاون فعَّال بين المجموعات بإجراء تقييم للتهديدات التي قد تمس بكل منها. كيف يمكن للتعاون أن يهدد هوية وشرعية وسيطرة المجموعات المشاركة؟ فقط بعد معاينة البقعة العمياء في عملية التعاون يمكنهم أن يركزوا على المسائل اللوجستية والعمليات والنتائج.

تملكت الحيرة قادة “إينرجي باك”، بعد أن بذلوا كل ما في وسعهم لدعم إطلاق المشروع، وبدا لهم أن الجميع متفقين ومتحمسين له. فما الذي حدث؟

التلكؤ

خلال السنوات الثماني الماضية، أجريت أبحاثاً واسعة لمعرفة ما هو مفتاح نجاح أو فشل التعاون بين المجموعات. خلال ست من تلك السنوات، وكجزء من بحثي لشهادة ​​الدكتوراه في كلية هارفارد للأعمال، ركزتُ اهتمامي على ثلاث شركات عالمية، وعلى نحو منفصل، أجريت 120 مقابلة مع مدراء وموظفين في 53 شركة طُلب فيها من فرق التعاونُ ولكنها فشلت في ذلك. والتقيتُ مراراً وتكراراً قادة تتملكهم الحيرة والغضب ويقفون عاجزين عن تفسير السبب الذي يجعل مبادراتهم تتخلف عن تحقيق التقدم المأمول. كانت كل حالة مختلفة عن الأخرى بالطبع، ولكن كان يمكن إرجاع أساس المشكلات إلى السبب نفسه. وهو ما أسميه بقعة التعاون العمياء.

وإليكم المشكلة: لدى التفويض والتخطيط للمبادرات التعاونية، يميل القادة إلى التركيز على المسائل اللوجستية والعمليات والحوافز والنتائج. هذا أمر مفهوم تماماً. لكن عندما يفعلون ذلك، ينسَون أن يفكروا في كيف ستتصرف المجموعات التي يطلبون منها العمل معاً حيال هذا الطلب، خصوصاً عندما يُطلب منها أن تكسر الحواجز في ما بينها وتتشارك في البيانات التي تجمعها، وتضحي باستقلاليتها وتتشارك الموارد أو حتى أن تتنازل عن بعض المسؤوليات التي تعرِّف وتحدد كلاً منها كمجموعة. في أغلب الأحيان، تشعر الفرق بالتهديد من جراء طلبات كهذه يبدو وكأنها تطلب منها الانفتاح على الآخرين والسماح لهم بالتعدي على مجال عملها وصلاحياتها. ثم، ماذا لو كان التعاون إشارة إلى أنهم أصبحوا أقل أهمية بالنسبة للشركة؟ ماذا لو تنازلوا عن موارد ومسؤوليات مهمة ولم يكن بامكانهم  استعادتها في ما بعد؟ ماذا سيحدث لصورتهم وسمعتهم؟.

نتيجة خوفها على سلامة كيانها، غالباً ما تنكفئ المجموعات التي يُطلب منها التعاون على نفسها وتتخذ موقفاً دفاعياً، واضعة على رأس أولوياتها: حراسة مجال عملها، وخفض التهديد إلى الحد الأدنى.

يمكن أن يكون لهذا النوع من السلوك عواقب تتجاوز خطة التعاون المطروحة تحديداً. المجموعة التي تركز على حماية مجال عملها وخفض التهديد يمكن أن تظهر على أنها غير متعاونة وغير قادرة على لعب دور مهم ضمن الفريق، ويُشاع بأنها “لا يمكن الوثوق بها” أو “ذات وجهين”، وهي كلها مواقف يمكن أن تضر بجهود التعاون المقبلة حتى قبل أن تبدأ.

تهديد وجودي

دعونا ننظر عن كثب إلى بقعة التعاون العمياء ولكن هذه المرة في سياق شركة تأمين عالمية سأسميها “تأمينك”. قبل بضع سنوات، أطلق قادة الشركة خطة تعاون باءت بالفشل بطريقة شبيهة إلى حد كبير بما حصل مع “إينرجي باك”، لكنهم في نهاية المطاف، وبفضل دراسة الأمر ومتابعته، أدركوا ما حدث من خطأ ونجحوا في ضبط الأمر وتوجيه المسار.

انطلقت فكرة مبادرة “تأمينك” من مواجهة الشركة ضغوطاً متزايدة من منافسين جدد وحاذقين عدا عن التغيُّر السريع الحاصل في القطاع. أدرك القادة الكبار أنه من أجل البقاء، سيتعين على الشركة إيلاء مزيدٍ من الاهتمام للعملاء والاستجابة بسرعة أكبر للحالات الجديدة. لذلك قرروا وضع خطة تعاون بين فريق إدارة المخاطر (الذي يعرف كيفية حساب وتنظيم المخاطر لجميع منتجات التأمين) ومجموعات “نوع النشاط” أو خط الأعمال (التي تدير فئات المنتجات المختلفة قبل وبعد هيكلة المخاطر). لقد تعين على وجه التحديد على مجموعات خط الأعمال أن تتعلم كيف تحسب وتضع بنفسها هيكلية المخاطر في حالات التأمين الجديدة بحيث يمكنها الاستجابة بسرعة للعملاء. في المقابل، تعين على فريق إدارة المخاطر أن يشارك خبرته الثمينة مع مجموعات “نوع النشاط” وأن يقدم لها الدعم.

بدت الخطة منطقية في إطار الصورة العامة للمبادرة، لكنها جعلت فريق إدارة المخاطر يشعر بعدم الارتياح. ففي نهاية الأمر، كانت إدارة المخاطر وظيفته وسبب وجوده وما يُعرِّف عنه. فإذا طلب من الآخرين الآن أن يفعلوا الشيء نفسه، هل يعني ذلك أن الشركة لم تعد تقدِّر إدارة المخاطر كإدارة متميزة؟ وهل عندما يُطلب من الفريق التعاون إنما يُطلب منه في الحقيقة تدريب من سيحل محله؟

لم تكن تلك المخاوف واهية لا سيما في قطاعات تعاني من اضطراب وحيث لدى الموظفين المحترفين سبب وجيه للخوف من أن تتحول مهاراتهم إلى مهارات بالية وأن تعني التغيرات في الوضع الراهن أنهم وأقسامهم أصبحوا أقل قيمة للشركة. لذلك من الطبيعي أن تشعر المجموعات بأن طلب التعاون منها يهدد أمنها، حتى عندما لا يكون هذا هو القصد من وراء ذلك.

الشعور بالأمن

وجدتُ من خلال عملي أن المجموعات تحدد وتطور إحساسها بالأمان وفق ثلاثة أبعاد رئيسية: الهوية والشرعية والسيطرة أو التحكم. وعلى أي قائد يرغب في تشجيع التعاون المشترك بين المجموعات أن يفهم في البدء سبب الاهتمام الكبير الذي توليه المجموعات لهذه الأبعاد وكيف تغذي لديها الشعور بالأمن الوظيفي.

هوية المجموعة هي ببساطة ما تفهمه المجموعة عن نفسها. إنه تعريف وجودي. لمعرفة ما تمثله وللقيام بعملها كمجموعة، يجب أن تعرف ما تكون. توفر الهوية للمجموعات مركز ثقل ومعنى داخل الشركة، وهو ما يساعد في بناء شعور بالأمان. تُبنى شرعية المجموعة عندما ينظر الآخرون إلى وجودها على أنه مناسب ومقبول داخل الشركة، ويُنظر إلى المجموعة على أنها ذات قيمة. السيطرة والتحكم بما تفعله كمجموعة أمر حيوي أيضاً. لا يكفي أن تعرف المجموعة ما هي عليه وأن تشعر بأن الشركة تقبل وتؤكد وجودها. بل عليها أيضاً أن تكون قادرة على التصرف بشكل مستقل، وتحدد شروط عملها، وأن تحدث تغييراً ذا مغزى.

تمثل الهوية والشرعية والسيطرة مصادر متميزة لأمن المجموعة، ولكنها تتداخل في مجال بالغ الأهمية: فهي تتطلب على الدوام تقريباً أن “تملك” المجموعات مجالاً، مثل مجالات المسؤولية أو الموارد أو حتى السمعة. يوفر امتلاك المجال طريقة للمجموعات للتعريف عن نفسها وتمييزها عن الآخرين، وهي نيابة عن قبول المجموعة وقيمتها كما تضمن للمجموعة الاستقلالية وحقوق اتخاذ القرار التي تحتاجها للقيام بعملها.

ليس من الصعب إدراك قيمة كل هذه الأبعاد إذا تذكرنا أنها موجودة وبحثنا عنها. لكن القادة غالبا ما ينسون. هذا ما حدث لدى “تأمينك”. عندما طُلب من قسم إدارة المخاطر التعاون شعروا بالتهديد، وانكفأوا على أنفسهم. زعمت مجموعة “نوع النشاط” أن استجابة إدارة المخاطر لطلبات التدريب إما بطيئة للغاية أو سلبية. واشتكى فريق إدارة المخاطر من جانبه من أن المجموعة الأخرى “ترتكب الكثير من الأخطاء” و”تتطلب منا بذل المزيد من الجهد”. نتيجة لذلك، احتاجت الشركة إلى وقت أطول بدلاً من اختصار الوقت لمعالجة بوليصات التأمين الجديدة.

يمكن بالطبع إلقاء بعض اللوم على فريقي “تأمينك” بسبب تعثر التعاون، لكن الخطأ يقع في النهاية على عاتق قادة الشركة. فعوضاً عن التوقف للتفكير في أوجه التهديد التي تطرحها المبادرة المقترحة على المجموعات المعنية، اندفعوا إلى التخطيط والتنفيذ فكانت النتيجة رفض التعاون بدلاً من التعاون المرجو.

علينا أن نستخلص هنا عبرة أساسية: يجب أن يبدأ القادة الراغبون في الحصول على تعاون جدي وناجح بتقييم أوجه التهديد. كيف يمكن أن يشكل التعاون مصدر عدم ارتياح للمجموعات المعنية؟ ما هي أفضل طريقة للتخلص من الشعور بالتهديد؟

الحد من المقاومة

إذا كانت الشركة تأمل في بدء تعاون مشترك بين الفرق والمجموعات، فيجب أولاً العمل على تحديد والحد من أوجه المقاومة التي يُرجح أن تولدها المبادرة. يجب أن تفعل هذا بالنسبة لجميع الأبعاد الثلاثة التي ناقشناها.

تعزيز الهوية

يمكن تشخيص التهديدات التي قد تمس بهوية المجموعة من خلال اتخاذ خطوتين. أولاً، تكوين فكرة واضحة عن كيفية رؤية وإدراك كل مجموعة من المجموعات المعنية نفسها: ما هو مصدر اعتزازها بنفسها؟ ما الذي يميزها عن الآخرين؟ كيف يصف أفرادها أنفسهم للمساهمين وأصحاب المصلحة الأساسيين في الشركة؟ وللعملاء؟ مع وضع هذه التصورات في الاعتبار، ينبغي التفكير في أوجه التهديد التي يمكن أن تمثلها العناصر الحاسمة في التعاون لهوية المجموعة. ما هي المهام الرئيسية؟ كيف ستتغير الإجراءات الحالية، وكيف سيتم استخدام الموارد بشكل مختلف؟ هل ستُضعف طرق العمل الجديدة هذه أو تنتقص من هوية المجموعة؟

[su_expand more_text=”المزيد” less_text=”أقل ” height=”290″ link_color=”المزيد” link_align=”right”]

علامات منبهة على وجود تهديد

أثناء التعاون بين المجموعات، ابحث عن تكرار حدوث سلوكيات تتعلق بالدفاع عن مجالات الصلاحية تدل على أن المجموعات تشعر بالتهديد بسبب ما طُلب منها أن تفعل. قد تشمل هذه العلامات:

تأكيدات صريحة لنطاق الصلاحية، مثل التأكيد أن المجموعة هي المسؤولة أو أن رأي المجموعة الأخرى غير مهم.

هجمات علنية على الآخرين، مثل انتقاد عمليات أو إجراءات تقوم بها مجموعة أخرى بشكل علني.

ممارسة ألاعيب السلطة، مثل الدعوة إلى “قمة” رفيعة المستوى لمناقشة موضوع ما ولكن استثناء المجموعة الأخرى من الدعوة.

سلوكيات مستترة لإعاقة العمل، مثل إغراق المجموعة الأخرى بالبيانات المعقدة بحيث لا يمكنها فهمها أو استخدامها.

التلاعب في السر بمسألة الحدود، مثل تكوين ونشر مفاهيم بصورة غير مباشرة حول خبرة المجموعة على أساس إما أنها مختلفة تماماً عن المجموعة الأخرى (لتقوية الحدود) أو مشابهة تماماً لها (لإضعاف الحدود، مما يجعل “الهجوم” على المجموعة الأخرى أسهل).

[/su_expand]

لقد عملتُ مع قادة نجحوا في معالجة هذا التهديد من خلال منح المجموعات مسؤوليات أكبر في مجالات أخرى مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بهوية المجموعة (حتى وإن لم تكن هذه المجالات مرتبطة بالمبادرة) ومن ثم جعل صلة المجموعة واضحة بهذه المجالات. كما قام بعض هؤلاء القادة بتعزيز أو تأكيد إحساس المجموعات بالهوية من خلال أنشطة وأشياء رمزية، مثل الأنشطة الجماعية والتدريب وحتى قِطع الديكور. الأمور الصغيرة مهمة. يمكن كذلك تقليل الأخطار التي تهدد الهوية من خلال الاعتراف على الملأ بالأدوار المهمة التي لطالما أدتها المجموعة في مجالات أساسية لتعزيز هويتها.

إعادة تأكيد الشرعية

يمكن تحقيق نتيجة فعالة من خلال القيام بعملية من خطوتين هنا أيضاً. أولاً، ينبغي النظر إلى المشهد ككل. لماذا أنشئت هذه المجموعة، وما هي إسهاماتها الأكثر قيمة بالنسبة للشركة؟ من خلال الإجابة على هذه الأسئلة ينبغي التفكير مرة أخرى في المهام الحيوية التي تؤديها المجموعها وبفضلها وإنجازاتها التي ستتم مشاركتها أثناء التعاون. هل يتماشى أي منها مع سبب وجود المجموعة أو مساهماتها الأكثر قيمة؟

إذا كان الأمر كذلك، فهذا يعني أن هناك تهديداً لشرعيتها وحاجة لمعالجة هذا التهديد. إحدى الطرق المهمة للقيام بذلك هي الإقرار علناً بأهمية المجموعة وقيمتها المميزة بالنسبة للشركة. يحتاج القادة إلى تكرار هذه الرسالة، خصوصاً خلال الأشهر الأولى من عملية التعاون، وتعزيزها من خلال توفير الدعم والتأكيد على التقدير الذي تكنه الشركة للفرق المعنية.

هل يُحتمل أن يكون المُراد من طلب التعاون من المجموعة أن تقوم بتدريبَ من سيحل محلها؟

أصبحت أوجه تهديد الهوية والشرعية مشكلة عندما تم اقتراح التعاون في شركة عالمية لمشاريع البناء سأسميها “الإنشاءات”.  في مواجهة تراجع المبيعات على مستوى القطاع، قرر قادة الشركة العمل على توسيع السوق من خلال زيادة الطلب على الاستخدامات البديلة لمنتجاتها وخدماتها. ولإنجاح الخطة، أعدوا خطة تعاون لم يسبق لها مثيل بين فريق المبيعات (الذي يمكن أن يفهم ويؤثر على الطلب) وفريق هندسة الابتكار (الذي يمكن أن يتخيل استخدامات جديدة للمنتجات الحالية). كانت الفكرة الأساسية هي أن يحدد قسم المبيعات العملاء الذين قد يكونون مهتمين بالاستخدامات البديلة، ومن ثم يقوم أحد أعضاء فريق هندسة الابتكار بمرافقة المبيعات خلال زيارة العملاء لشرح هذه الاستخدامات والتريوج لها. بعد ذلك، يتابع عضو الفريق الهندسي التواصل مباشرة مع العملاء، فإذا أبدوا مزيداً من الاهتمام، يتم استدعاء عضو من المبيعات للمشاركة في النقاش وإتمام الصفقة.

كانت فكرة جميلة من الناحية النظرية، ولكنها لم تصمد عندما وُضعت موضع التطبيق. حدد قسم المبيعات عدداً قليلاً جداً من العملاء الذين يمكن أن يلتقيهم فريق المهندسين، وفي الحالات النادرة التي التقى فيها مهندسون مع العملاء، قال المهندسون إن فريق المبيعات لم يتح لهم سوى فرصة ضئيلة للتدخل وشرح مزايا المنتج. وعلى أي حال، لم يكن فريق المهندسين راغباً في فعل ذلك إذ شعر أعضاء الفريق أن بإمكانهم المساهمة بشكل أفضل في الشركة من خلال ابتكار الأفكار وليس بيعها. لقد كانوا فخورين تماماً بهذه الفكرة عن أنفسهم حتى أنهم استخدموها ليس فقط لتعريف هوية فريقهم ولكن أيضا قيمته داخل الشركة. من جانبه، رأى فريق المبيعات أن دوره هو الجسر الوحيد الذي يربط بين الشركة والعملاء المُتطلبين. لقد جعلت العملية الجديدة كل هذه الأمور موضع شك، ومن ثم لم يكن مستغرباً أن تقاوم كلا المجموعتين التعاون.

لحسن الحظ، أدرك قادة شركة الإنشاءات أنهم يتعاملون مع تهديدات تمس هوية وشرعية المجموعتين المناط بهما التعاون وبادروا إلى معالجتها على وجه السرعة.

عقدوا اجتماعاً مشتركاً اعترفوا فيه علناً بالدور الحاسم الذي لعبه قسم المبيعات في تطوير وتوجيه العلاقات مع العملاء، وأوضحوا أنهم يتوقعون أن يستمر القسم في أداء هذا الدور خلال التعاون. في الوقت نفسه، اعترفوا بالدور الحاسم الذي لعبه مهندسو الابتكار باستمرار في توليد أفكار عملية للشركة، وأوضحوا أن دور المهندسين خلال زيارات المبيعات لم يكن البيع وإنما القيام بعمل بحثي على أرض الواقع من أجل الحفاظ على الريادة في مجال الابتكار. مجرد سماع هذا عزز إحساس كل مجموعة بالأمان.

سجل الاجتماع نقطة تحول في عملية التعاون. بدأ قسم المبيعات في تخصيص مزيد من الجهد لفحص قوائم العملاء، وبات مهندسو الابتكار يشاركون بكل زخم لدى دعوتهم إلى اجتماعات العملاء. كان هذا كافياً لوضع المبادرة موضع التطبيق وأدركت الشركة أن الأقوال يجب أن تعززها الأفعال وأن الكلام وحده لا يجدي فحرصت على مواصلة دعم ورعاية التعاون عبر تكرار وتعزيز الدور الخاص المكتسب لكل فريق في إطار المبادرة وهوية كل منهما وشرعيته.

ترسيخ سيطرة الفريق على مقومات عمله

يتعلق الأمر بمعرفة ما إذا كانت مبادرة تعاونية تهدد شعور فريق بقدرته على التحكم بمقومات عمله وتحديد المجالات الرئيسية التي يتمتع فيها الفريق بالاستقلالية والحق في اتخاذ القرار. يمكن على سبيل المثال طرح سؤال: ما هي بصورة عامة الموضوعات والعمليات والمعدات والقرارات التي تُعد من مسؤوليات هذه المجموعة؟ ستكون هذه هي الفئات “المرجعية” بالنسبة للشركة. والآن، انظر في عملية التعاون. ما هي الموضوعات والعمليات والمعدات والقرارات التي تتطلب السيطرة أو التحكم المشترك أو غير المؤكد أو الغامض وما هو موقعها على خارطة الفئات “المرجعية” التي حددتَها للتو؟

إذا وجدتَ تداخلًا جزئياً أو كلياً فمن المحتمل أنك تتعامل مع تهديد لمجال السيطرة. إحدى الطرق لمعالجة هذا هو العثور على مجالات أخرى (حتى وإن كانت منفصلة عن المبادرة المستهدفة) حيث يمكن زيادة تحكم واستقلالية المجموعة. أدرك القادة في شركة الإنشاءات أن مهندسي الابتكار شعروا بفقدان السيطرة على عملهم لعدم قدرتهم على تقدير الوقت والموارد التي سيتطلبها التعاون مع الآخرين الذين سيقررون الجهد المطلوب من فريق الهندسة في أنشطة دعم قسم المبيعات. لحل هذه المشكلة أعطى القادة المهندسين استقلالية أكبر في مشروع منفصل يركز فقط على الابتكار. كان لا يزال مطلوباً منهم المشاركة في زيارات العملاء والمساعدة على صنع منتجات بديلة، ولكنهم الآن مع حصولهم  على مزيد من السيطرة في مشروع ابتكاري آخر، شعروا بتهديد أقل من جانب عملية التعاون وشاركوا بحماسة أكبر فيها. تعلم قسم المبيعات وهندسة الإبتكار الوثوق بالمبادرة وعواقبها على مجال عملهما وشعورهما بالأمان.

تحقق من البقعة العمياء لديك

كما بيَّنتُ سابقاً، في غمرة الاندفاع لإعداد المسائل العملية وتنظيم الإجراءات وتحديد الحوافز والنتائج، ينسى القادة في كثير من الأحيان أن يولوا اهتماماً لأوجه التهديد التي تطرحها متطلبات التعاون على شعور فرقهم بالأمن وتحثها على تبني سلوكيات دفاعية. هذا ما حدث لدى “إينرجي باك” عندما حاولت طرح عرض خدمة ما بعد البيع بين قسمي المبيعات والخدمة. شعرت كلتا المجموعتين بوجود تعدٍ على مجاليهما، ورفضتا التعاون.

ارتكبت شركة “تأمينك” في البدء الخطأ نفسه، لكن مبادرة الشركة نجحت في النهاية لأن أحد كبار قادتها أدرك أن مجموعة إدارة المخاطر شعرت بالتهديد. عرف القائد أن التعاون يتطلب من إدارة المخاطر التخلي عن جزء من مجال صلاحياتها الرئيسية لصالح مجموعة “نوع النشاط” أو خط الأعمال. لم يكن باليد حيلة، ولذلك أوضح الأمر ولكنه عالج أيضاً الأوجه التي هددت شعور إدارة المخاطر بالأمان، مؤكداً في الاجتماعات العامة والخاصة أن إدارة  المخاطر ستكون مسؤولة رسمياً عن تدريس وإدارة أنشطة إدارة المخاطر في كل الفرق ومجموعات العمل. وبذلك، أعاد تعريف مجال صلاحيات القسم بطريقة عززت هويته وشرعيته وسيطرته. كان القسم لا يزال قيّماً بالنسبة لإدارة المخاطر وإن لم يقم بالضرورة بكامل أعباء العمل بنفسه.

كانت خطوة حكيمة، وبين ليلة وضحاها، توقف موظفو إدارة المخاطر عن المقاومة وانخرطوا في عملية التعاون. وبعد زوال شعورهم بالتهديد، بدأوا يستجيبون بسرعة أكبر للطلبات، ويزودون زملاءهم بإرشادات وافية وحتى يقترحون طرقاً إضافية تمكنهم من دعم المبادرة. وكما قال أحد أعضاء فريق خط الأعمال، “شعروا فجأة وكأنهم زملاء وحتى مستشارون، ولم يعودوا حاجزاً من الطوب”.

لذلك لا ينبغي فقدان الأمل والاستسلام إذا تلكأت مبادرات التعاون عبر الشركة، فالعلاجات متاحة. وكما تعلمتُ من خلال عملي، يمكن إحياء التعاون بنجاح من خلال البدء بتحديد التهديدات التي تمس بأمن المجموعة، ومن ثم اتخاذ خطوات لتقليل تلك التهديدات والحث على تجنب السلوكيات الدفاعية.

تمثل معاينة الرقعة العمياء في وقت مبكر خياراً أفضل. والأساس هو تذكر ضرورة البحث عنها. الأمر هنا يشبه الانتقال على الطريق السريع من خط لآخر. للانتقال بأمان أثناء القيادة لا يكفي النظر إلى الأمام والضغط على دواسة الوقود والانحرف. لا بل ينبغي أولاً النظر في مرآة الرؤية الخلفية والإحاطة بالتهديدات المحيطة. بعدها فقط يمكن القيام بحركة الانتقال.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .