كيف تدعم موظفاً يعاني أزمة صحية مزمنة؟

7 دقائق
الأزمة الصحية المزمنة للموظفين
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: ارتفع عدد العاملين الذين يعانون أزمات صحية مزمنة في الولايات المتحدة إلى مستويات مرعبة، فضلاً عن “أصحاب المشوار الطويل” مع فيروس “كوفيد-19″، أي أولئك الذين يعانون الأعراض لفترات طويلة بعد الإصابة بالفيروس. وليس من المستغرب أن تتمزق حياة العاملين الذين يصارعون هذه الظروف بين واجبات العمل والعناية بصحتهم. ويجب على الشركات الجادة في دعم موظفيها تنفيذ حزمة من السياسات الرسمية ومراعاة المرونة في ترتيبات العمل وغرس ثقافة داعمة وتدريب المدراء وتوعيتهم. سيساعدك هذا المسلك على الاحتفاظ بموظفين يقدمون قيمة مضافة، والأهم من ذلك أن هذا هو السلوك الصحيح الذي يجب اتباعه من أجل تجنب الأزمة الصحية المزمنة للموظفين.

 

يعاني 60% من البالغين في الولايات المتحدة أزمة صحية مزمنة واحدة على الأقل: أمراض أو حالات تستمر لمدة عام على الأقل وتستلزم عناية مستمرة أو تقيّد أنشطة الفرد، كالآلام والمتاعب المزمنة. ولا تشمل هذه الأرقام “أصحاب المشوار الطويل” مع فيروس “كوفيد-19”، وهم أولئك 10% الذين يعانون أعراضاً طويلة الأمد، مثل ضعف الذاكرة وصعوبات التفكير (“تشوش الذهن”) أو الإرهاق أو سرعة ضربات القلب أو متاعب الجهاز الهضمي أو آلام الصدر لأسابيع أو شهور أو أكثر بعد الإصابة بالفيروس.

تُلقي الأزمات الصحية المزمنة بالكثير من التحديات في وجه الموظفين. وعلى الرغم من الأعداد الهائلة للعاملين المتضررين منها، فمن المدهش أنه لا يتوافر إلا أقل القليل من المعلومات حول كيفية دعم الموظفين الذين يعانون أزمات صحية مزمنة وإدارتهم. ولا يُعتبر دعمهم المسلك الصحيح الذي يجب اتباعه فحسب، بل سيساعدك أيضاً على استبقائهم، وسينقل للجميع رسالة مفادها أنك تقدر موظفيك كأشخاص.

تحديات الأزمات الصحية المزمنة في العمل

توصلتُ أنا وزملائي في بحثنا الأخير إلى شيوع التضارب بين واجبات العمل والعناية بالصحة في حياة العاملين الذين يعانون أزمات صحية مزمنة. فقد يكون من الصعب على الفرد الذي يعاني أزمة صحية مزمنة، مثلاً، الالتزام بمواعيد الحضور والانصراف المحددة خلال الفترات التي يضطر فيها أيضاً إلى زيارة الطبيب وعلاج الأعراض التي تظهر عليه في تلك الأثناء.

حيث درسنا 4 عينات من العاملين الذين يعانون أزمات صحية مزمنة في مهن مختلفة ووجدنا نوعين رئيسيين من التضارب: تضارب الوقت (حيث يتداخل الوقت المستهلك في العمل مع الوقت الذي يحتاجه الفرد للعناية بحالته الصحية) وتضارب الطاقة (حيث تأتي الطاقة المخصصة للعمل على حساب الطاقة التي يحتاجها الفرد للعناية بحالته الصحية).

ووجدنا أن ارتفاع مستويات تضارب الوقت والطاقة كان مرتبطاً باستمرار بالاحتراق الوظيفي للعاملين المشاركين في العينات البحثية. وكان تضارب الطاقة مرتبطاً أيضاً بكلٍّ من الانسحاب من العمل (عدم بذل الفرد لكل جهده) والقدرة المتصورة على العمل (التصورات حول قدرة الفرد على مواصلة العمل في وظيفته الحالية).

وخلصنا إلى أن ارتفاع مستويات التداخل بين واجبات العمل والعناية بالصحة تشير إلى ضرورة التدخل إما بشكل فردي من خلال التدريب أو تسهيلات العمل، أو مؤسسياً من خلال تدريب المشرفين وسياسات العمل المرنة.

قد يكون التعامل مع الأعراض في العمل أمراً صعباً أيضاً، وهو ما ثبت بالتجربة في دراسة أخرى أجريتها أنا وزميلي على 86 عاملاً يعانون آلاماً مزمنة وتملي عليهم مهمات وظائفهم التفاعل مع العملاء، حيث طلبنا منهم إكمال الاستقصاءات مرتين يومياً لمدة خمسة أيام عمل متتالية، في منتصف كل يوم وفي نهايته. ووجدنا أن تصورات العاملين لمستوى الألم المتداخل مع عملهم في منتصف اليوم تُنبئ بمستوى الإرهاق العاطفي في نهاية يوم العمل، بما يتجاوز آلامهم الجسدية المحسوسة. بعبارة أخرى، لا تقتصر مشكلة العاملين الذين يعانون آلاماً مزمنة على الآلام المحسوسة وحدها، بل المشكلة أعمق من ذلك وتتجاوز تفسير تجربة الألم المحسوس وأثرها على العمل. وتشير النتائج مجدداً إلى أهمية التدخل لمساعدة العاملين الذين يعانون آلاماً مزمنة على استمرارية القدرة على العمل وتجنب الاحتراق الوظيفي.

ما نثق في نجاحه من أجل تجنب الأزمة الصحية للموظفين

عندما حاولنا دعم العاملين الذين أصيبوا بفيروس كورونا المستجد ويعانون أعراضه لفترات طويلة وغيرهم من المصابين بأزمات صحية مزمنة، وجدنا أن هناك أدواراً مهمة للقادة على كافة المستويات التنظيمية.

السياسات الرسمية والترتيبات غير الرسمية

يجب أن تطبّق المؤسسات سياسات رسمية تستوعب العاملين الذين يعانون أزمات صحية مزمنة. قد تنطوي هذه السياسات على إتاحة الفرصة لتقليل ساعات العمل أو ما يُعرف بـ “العمل المخفَّف” وإدخال بعض التعديلات على مهمات الوظيفة ومنح العامل إجازة مرضية، ويجب إتاحتها دون تعريض الموظف لخطر فقدان مزايا الرعاية الصحية.

ويمنح “قانون الإجازات العائلية والطبية” (FMLA) الموظف حق الحصول على إجازة غير مدفوعة الأجر ويختص بالظروف الصحية التي تتطلب علاجاً مستمراً وتتعارض مع مهمات الوظيفة. وتنص لوائح “قانون الإجازات العائلية والطبية” على معايير استحقاق الموظف للإجازة وامتثال صاحب العمل لها. إذ لا يحق للموظف، مثلاً، الحصول على الإجازة قبل مضي 12 شهراً على التحاقه بالعمل في المؤسسة، ويُستثنى من هذا القانون كل المؤسسات الخاصة التي تضم أقل من 50 موظفاً، لكن “قانون الإجازات العائلية والطبية” يشكل الحد الأدنى من المعايير التي يجب على المؤسسات أن تلتزم بها قانوناً، ويمكن، بل ويجب، أن تمتلك سياسات إضافية للإجازات توسّع نطاق الاستحقاق وتسمح باستمرار الراتب.

كان أحد المشاركين، على سبيل المثال، في دراسة أجريتها مؤخراً مصاباً بمرض التصلب المتعدد، وكان يحس أحياناً بالتعب ويعاني التشوش الذهني بصورة تؤثر سلباً على عمله. وقال لي إن قدرته على مواصلة العمل في هذه الوظيفة كانت مرهونة باستفادته من حقه في الحصول على إجازة شخصية مدفوعة الأجر، بالإضافة إلى سياسات شركته بشأن الإجازات الممتدة.

وعلى الرغم من أهمية السياسات الرسمية، فيجب أن يُمنَح المدراء أيضاً بعض المرونة لتلبية احتياجات موظفيهم، حيث تختلف انعكاسات الظروف الصحية على الحياة العملية من فرد لآخر، ومن النادر أن تجد نهجاً واحداً يناسب الجميع. إذ يعد العمل المخفَّف، مثلاً، والذي يتضمن تقليل ساعات العمل وعبء العمل بالتوازي مع خفض الأجر نسبياً، إجراءً مفيداً لبعض العاملين الذين يعانون أزمات صحية مزمنة. ويمكن دمج هذا الإجراء في السياسات الرسمية للمؤسسة، لكن الأبحاث وجدت أن ترتيبات العمل المخفَّف تُتخذ غالباً “في الخفاء” وعلى المسؤولية الشخصية للمدراء.

وبمقدور المدراء تلبية احتياجات موظفيهم بصورة إبداعية بطرق أخرى أيضاً. فقد كان مشارك آخر في الدراسة، على سبيل المثال، مصاباً باضطراب القلق العام والذي يتضمن نوبات الهلع التي قد تحدث في العمل. وتمكن مشرفه من تنفيذ حل إبداعي لدعمه في التعامل مع تحديات العمل المرتبطة بالقلق: “خصّص لي صاحب العمل بعد فترة عصيبة مساعدين بدوام جزئي من أقسام أخرى كانوا يبحثون عن ساعات إضافية. كانوا تحت الطلب بصورة أساسية، ويمكنني الاتصال بهم في أي وقت للتأكد من الاعتناء بالمهمات إذا كانت تتضمن أشياء قد تثير قلقي”.

الثقافة

على الرغم من أهمية السياسات، فيجب أن يشعر الموظفون بالحرية في استخدامها وطلب المساعدة عند الحاجة. ولا بد من غرس ثقافة داعمة تعطي الأولوية للتوازن بين العمل والحياة ورفاهة الموظفين، وإن كان هذا يتجاوز الاكتفاء بالتغني بأهمية رفاهة العاملين. ويمكن للقادة الإشارة إلى ترحيبهم بإعطاء الأولوية للصحة من خلال الانفتاح بشأن التحديات الصحية الخاصة التي يواجهونها هم أنفسهم واستخدام مزايا الشركة أو سياساتها أو وسائل الراحة عند الحاجة.

ترتيبات العمل المرنة

سألت أنا وطلابي الذين شاركوا في دراسة أُجريت مؤخراً عن الإجراءات المتخذة من قِبَل أصحاب العمل لمساعدتهم على مواصلة العمل في ظل معاناتهم أزمة صحية مزمنة. وكانت “المرونة” إحدى أكثر الإجابات شيوعاً بين أولئك الذين شعروا بالدعم وأرادوا البقاء في وظائفهم الحالية، حيث قال أحد المشاركين: “مديري شخص متفهم للغاية، حتى إنه يسمح لي بالعمل من المنزل متى استطعت، ما لم يكن هناك شيء مُلح، مثل العمل على كتابة الشفرة البرمجية. وقال آخر: “لا أجد مشكلة في فحص مستويات السكر في الدم أو تناول الطعام في أوقات معينة من اليوم. يمكنني القيام بذلك مباشرة في مكتبي… وقد قدّمت لي مشرفتي خدمات جليلة في هذا الصدد، حيث قالت إنني إذا كنت بحاجة إلى إجازة لزيارة الطبيب، فيجب أن آخذها فوراً. وقالت لي حرفياً إن صحتي أهم من أي وظيفة. أشعر بدعم غير محدود هنا”.

البرامج الداعمة

يجب أن تتيح المؤسسات برامج داعمة، إضافة إلى السياسات الرسمية، للإسهام في تمكين العاملين الذين يعانون أزمات صحية مزمنة من مواجهة تحدياتهم. فقد وجدت أنا وزملائي أن تقديم برنامج تدريب فردي بواقع 6 جلسات لمدة 12 أسبوعاً (عبر الهاتف) للعاملين الذين يعانون أزمات صحية مزمنة ساعدهم على تذليل تحديات العمل. كما أجرينا تجربة عشوائية توصلنا من خلالها إلى أن التدريب يؤدي إلى تحسن القدرة على العمل والمرونة والرفاهة، إلى جانب تقليل الإرهاق. الأهم من ذلك أن هذا التدريب لم يكن يتعلق بتغيير سلوكيات صحية معينة التي يشيع وجودها، كالإقلاع عن التدخين أو اتباع نظام غذائي صحي. بل كان يتعلق بتمكين المشاركين ووضع الاستراتيجيات وحل المشكلات لتحسين قدرتهم على التصدي للتحديات التي تمليها ظروفهم الصحية في العمل.

وقد وجدت أنا وزميلي في إحدى دراسات المتابعة أن التدريب ساعد المشاركين على دمج التغييرات الصحية المطلوبة في حياتهم للحفاظ على وظائفهم، كاعتماد الأجهزة المساعدة ووسائل الراحة التي قاوموها سابقاً، من خلال بناء جسور الثقة، كما ساعدهم التدريب أيضاً على تعلم سبل إدارة هوياتهم المهنية من خلال التواصل الفاعل حيال ظروفهم. وهو ما أكده أحد المشاركين حينما قال: “[كانت الفائدة الرئيسية] اكتساب القدرة على معرفة ما يجب أن أخبر به الآخرين عن مرضي المزمن، ومتى يجب أن أخبره به… وعرفت الآن أنني لست مضطراً إلى الكشف عن حقيقة مرضي. وهذه هي النقطة التي لطالما أثارت قلقي. وتحدثنا عن توفير قدرٍ أقل من المعلومات في مواقف معينة، وضرورة تقديم المزيد من المعلومات في مواقف أخرى”.

أهمية دعم المدير

يسلط الكثير من هذه الأمثلة الضوء على أهمية تلقي الدعم من المدراء على وجه العموم، لكن من الصعب معرفة ما يجب قوله أو كيفية التصرف عندما يكشف الموظف عن متاعبه الصحية أو تظهر عليه أعراض تؤثر على مستوى أدائه في العمل، لذا لا مناص من تدريب المدراء على دعم الموظفين الذين يعانون أزمات صحية مزمنة من خلال التواصل التعاطفي حول الموضوعات الحساسة والبحث عن المحاذير السلوكية وتوفير سبل الراحة. وبالإضافة إلى هذا التدريب الأكثر رسمية، إليك بعضاً من الأوامر والنواهي للمدراء الذين يتعرضون لمناقشة المسائل الصحية مع موظفيهم:

اعمل على بناء جسور الثقة مع الموظفين منذ اليوم الأول. سيساعد ذلك على إرساء أسس الثقة المتبادلة والاطمئنان إلى البوح لك بمتاعبهم الصحية لاحقاً إذا دعت الحاجة.

إذا كشف أحد العاملين عن أي متاعب صحية، فأظهر التعاطف والرحمة، لكن لا تحاول انتهاك خصوصيته. فقد يتحرج من الكشف عن مرضه أمامك، لذا أصغ السمع وتفاعل بمستوى الجدية الذي يستحقه الموقف. قل شيئاً لطيفاً، لكن لا تسأل عن أي تفاصيل حول التشخيص الطبي للحالة أو أعراض المرض أو مساره.

لا تحاول البوح بمشاكلك الشخصية رداً على كشف الموظف عن متاعبه الصحية. بل عليك أن تركّز بكل كيانك في هذه اللحظة عليه وعلى متاعبه هو.

لا تتعجل الكارثة أو تقفز إلى أسوأ السيناريوهات. على الرغم من كل ما تعرفه أو تعتقد أنك تعرفه عن المتاعب الصحية للموظف.

أصغ السمع واسأل عما يحتاج إليه الموظف لمواصلة أداء عمله وفقاً لتوقعاته (وتوقعاتك). وعبر عن تعاطفك، ولكن حافظ أيضاً على تركيزك على الوظيفة نفسها.

لا تخشَ رسم الحدود. فلست بحاجة إلى الالتزام بمسار عمل في هذه اللحظة. تحدث مع قسم الموارد البشرية إذا لزم الأمر، وتوصل إلى حل مدروس يساعد موظفك على إدارة أزمته الصحية بالتوازي مع تحقيق أهداف العمل الضرورية.

أخبر موظفك بأن المحادثة لن تنتهي عند هذا الحد. وافتح له الباب ليتوجه إليك في المستقبل إذا جدّ جديد.

وجّه. موظفك إلى الموارد المتاحة التي يقدمها صاحب العمل

(مثل برامج مساعدة الموظفين وبرامج الإعاقة والعودة إلى العمل، وما إلى ذلك). اكتب قائمة بهذه الموارد وجهزها بحيث تسترشد بها بسهولة عند الحاجة.

أبرزت متلازمة “كوفيد-19” طويلة المدى أهم التحديات الحالية التي يواجهها الكثير من الموظفين الذين يعانون أزمات صحية مزمنة في مكان العمل. ويجب على قادة المؤسسات الذين يدعمون هؤلاء العاملين من خلال تنفيذ سياسات رسمية ومرنة في الوقت ذاته وتقديم التوجيه اللازم وتدريب المدراء على إجراء محادثات مرهفة الحس لكي ينقلوا للجميع رسالة تفيد بأنهم يقدرون موظفيهم كأشخاص ويهتمون بالحفاظ عليهم. والأهم من ذلك أن هذا هو السلوك الصحيح الذي يجب اتباعه من أجل تجنب الأزمة الصحية للموظفين.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .