3 خيارات استراتيجية لمواجهة التضخم

6 دقائق
موجة التضخم
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: تستجيب الشركات للتضخم برفع الأسعار أو القبول بهوامش ربح أقل أو تخفيض تكاليف المنتجات (وجودتها غالباً)، ولكن إجراء تحليلات أفضل يتيح للشركات التفكير في استجابات استراتيجية أكثر تطوراً للتضخم. يبحث هذا المقال في 3 استجابات استراتيجية أكبر تساعد الشركات على مواجهة موجة التضخم بشكل فعال: إجراء تغييرات على تشكيلة المنتجات، أو إعادة تموضع العلامة التجارية، أو تجديد نموذج التسعير.

 

للمرة الأولى منذ 10 أعوام على الأقل أصبح التضخم اعتباراً طارئاً على المدى المنظور لجميع الشركات في العالم تقريباً.

لا أحد يعرف كم ستستمر موجة التضخم الحالية، ولكن استطلاعاً لآراء خبراء الاقتصاد أجري في صيف عام 2021 يشير إلى أنها قد تستمر لسنوات، وقال “البنك الاحتياطي الفيدرالي” الأميركي مؤخراً إنه من الممكن ألا تكون هذه الموجة “انتقالية” كما كان متوقعاً في البداية.

إذاً، كيف يتعين على المدراء الاستجابة لها؟

تتمثل الاستجابة الكلاسيكية للتضخم في اختيار واحد من 3 خيارات مكروهة: يمكن أن يزعج المدراء عملاءهم عن طريق رفع الأسعار، أو أن يزعجوا مستثمريهم بتخفيض هوامش الأرباح، أو أن يزعجوا الجميع بتخفيض الجودة من أجل تخفيض التكاليف. في مواجهة هذه المعضلة الثلاثية، يلجأ معظم القادة غالباً إلى رفع أسعارهم ثم يبحثون عن طرق ذكية لتخفيف حدة المعارضة اللاحقة.

ولكن ما يغفلون عنه هو أن هذه الخيارات الثلاثة ما هي إلا بقايا الأساليب القصيرة النظر التي كانت متّبعة في العصور السابقة، ففي سبعينيات القرن الماضي عندما سيطر “الركود التضخمي” على أهم الأنظمة الاقتصادية في العالم كان المدراء يفتقرون إلى التكنولوجيا والبيانات، وفي كثير من الأحيان افتقروا إلى فكرة اتخاذ أي إجراء جريء أو استراتيجي بدرجة أكبر، وعندما ضربت موجة التضخم في أثناء الركود الاقتصادي الكبير في عامي 2008 و2009 كان المدراء يرون أنهم مقيدون بالمعضلة القديمة ذاتها.

ولكن التضخم الذي نشهده في عام 2022 مختلف، فالمدراء اليوم يتمتعون بقدرة على توقع أداء السوق ومرونة لم يكن بإمكان أسلافهم تخيلها حتى قبل جيل واحد، إذ يملكون بيانات أفضل بكثير ومزيداً من الأدوات المتطورة لتحليل هذه البيانات وتحويلها إلى معلومات مفيدة لدعم القرارات. الوقت الآن مثالي للتعامل مع التضخم بوصفه فرصة استراتيجية لا تحدياً تكتيكياً وبإمكاننا اختيار الاستجابة المناسبة من مجموعة خيارات أفضل، وبدلاً من القلق بشأن مقدار الزيادة على الأسعار المقدمة للعملاء يجب أن يخصص المدراء مواردهم للتوصل إلى طريقة رفع الأسعار والأسباب التي تسوّغه.

يجب أن يفكر المدراء في هذه الخيارات الاستراتيجية الثلاثة لا سيما إن كان التضخم مستمراً: إعادة تقييم تشكيلة المنتجات وتنقيحها، أو إعادة تموضع العلامة التجارية، أو تغيير نموذج التسعير، علماً أن هذه الخيارات لا يستبعد بعضها بعضاً ويمكن للمدراء تنفيذ مزيج منها كلها.

وفقاً لخبرتي، أجرت غالبية الشركات نقاشات داخلية حول تنفيذ أحد هذه الخيارات على الأقل لأنها تعود بفوائد لا علاقة لها بالتضخم. قد يكون لدى بعض الشركات بعض الخطط الأولية المعمول بها بالفعل، وينبغي لهذه الشركات تحديداً أن تعتبر التضخم فرصة مهمة يجب اغتنامها لا مشكلة مربكة يجب حلّها.

الخيار الأول: إعادة تقييم تشكيلة المنتجات وتنقيحها

تتبع الشركات عدة طرق لتطبيق هذا الخيار؛ يمكن أن تجمع بعض المنتجات في حزم أو تقسّم الحزم السابقة، إما من أجل إنشاء عروض جديدة للقيمة أو لإظهار نقاط سعرية أدنى للعملاء حول المنتجات والخدمات التي يرغبون في شرائها بعد فصلها عن الحزم، ويمكن أن يعتمدوا على الرؤى التي يوفرها علم الاقتصاد السلوكي من أجل تغيير فجوات الأسعار بهدف توجيه العملاء نحو عروض مربحة أكثر، وبناء على ما تملكه الشركة في خطوط إمداد البحث والتطوير أو درجة مرونة قدرتها الإنتاجية يمكنها تقديم بدائل أقلّ ثمناً، أو على نحو غير بديهي يمكنها تقديم منتجات أغلى ثمناً تجعل خط الإنتاج الحالي يبدو ميسور التكلفة.

عند التفكير في التضخم يبالغ المدراء في التركيز على الحساسية السعرية على اعتبارها العامل الأساسي في تحديد استجابة العملاء لأي تغيير يجرونه، ولكن يجب ألا ينسوا أن العملاء لديهم حساسية تجاه الكمية وحساسية تجاه نوعية أيضاً.

تبين الأبحاث أن حساسية العملاء تجاه الأسعار أكبر من حساسيتهم تجاه الكمية، وفي هذه الحالة يكون من غير المرجح أن يلاحظوا زيادة السعر على شكل تقليل الكمية بمقابل سعر ثابت. عمدت عدة من شركات السلع الاستهلاكية المعبأة إلى تجربة هذه الاستراتيجية عندما ازدادت عوامل الضغط الناجمة عن التضخم في أثناء الركود الاقتصادي الكبير.

تنبع الحساسية النوعية من الميزات التي يمكن للعملاء الاستغناء عنها أو القبول بمستوى أقل منها، وإن كان عدد من هذه الميزات متوفراً في المنتج أو الخدمة فبإمكان المدراء التفكير في إمكانية أن تؤدي إزالتها أو تعديلها إلى خلق فرص لصنع نسخ جديدة بميزات أقل ونقطة سعرية أدنى. والعكس صحيح أيضاً، يمكن أن يؤدي تغيير بسيط في الجودة إلى زيادة رغبة العملاء في دفع المال من دون زيادة التكاليف بدرجة كبيرة، ما يتيح للشركة تأسيس عروض جديدة في الأسواق ذات التكلفة المرتفعة.

الخيار الثاني: تغيير موضع العلامة التجارية

في أي وقت كان، تكون أسعار غالبية العروض أعلى أو أقل مما يجب وبدرجة كبيرة أحياناً نسبة للقيمة التي تقدمها. توفر موجة التضخم للمدراء فرصة لتصحيح مشكلة عدم التوافق في تحديد مواضع منتجاتهم ضمن الشرائح السعرية.

فلنبدأ بالمنتجات ذات الأسعار الأعلى مما يجب؛ إذا كانت الشركة تستثمر مبالغ كبيرة في التسويق بهدف الحفاظ على عرض القيمة أو دعمه لأنه يضعف بدرجة متزايدة فسيكون تخفيض السعر منطقياً، قد يحدث ذلك عندما يخسر العرض ميزته التنافسية أو إن كان سعره مرتفعاً جداً منذ البداية. يؤدي التضخم إلى زيادة خطورة الحفاظ على هذا الموقع، ويمكن للشركة حلّ هذه المشكلة عن طريق تخفيض نفقات التسويق وتقليل السعر في نفس الوقت من أجل دعم تحديد موضع منطقي أكثر للمنتج ضمن الشرائح السعرية، ويمكن أن تؤدي هذه الإجراءات إلى زيادة الأرباح بناء على حجم هذه التغييرات.

ولكن الحالة الأكثر شيوعاً هي أن المنتج يعرض بسعر أقل مما يجب نسبة للقيمة التي يحققها للعملاء، لذلك يؤدي الغموض الذي يلف التضخم إلى جانب توقعات العملاء لاحتمال اضطرارهم إلى دفع أسعار أعلى إلى توفير فرصة لتغيير محتوى التواصل ووضع المنتج ضمن شريحة سعرية أعلى. تكون هذه الفرصة واعدة بصورة خاصة حين تكون الشركة قد اعتمدت على الأسعار المنخفضة على اعتبارها مصدراً للميزة التنافسية، يؤدي الاستمرار بتقديم أسعار منخفضة إلى تحويل السعر إلى عامل مؤكسد يشوه صورة العرض، ويوفر التضخم فرصة للشركات لتصحيح هذه الصورة المشوهة.

الخيار الثالث: استبدال نموذج التسعير

كان نجاح نماذج الاشتراك وتقديم المنتج كخدمة مبهراً لشركات كثيرة، لذلك فهي تفكر بالفعل في تبني نماذج تسعير جديدة، وتشكل الحاجة الفورية للاستجابة للتضخم سبباً مقنعاً لتنفيذ هذه الخطط الآن وتفادي الحاجة إلى القبول بأهون شرور المعضلة الثلاثية.

على مدى العقد الماضي، أثبتت شركات في مجموعة واسعة من القطاعات، كالبرمجيات والتعليم والرعاية الصحية والإنتاج الصناعي، أن تغيير طريقة تسعير منتجاتها يحقق عدة ميزات، فعندما تستبدل أسعارك بدلاً من زيادتها ستتمكن مما يلي:

نقل انتباه الزبون إلى نقطة سعرية أدنى

يكون السعر المحدد لكل شهر أو ميل أو أي وحدة قياس استهلاكية أخرى أدنى، وأكثر شفافية، وقابلاً للإدارة بدرجة أكبر بالنسبة للزبائن مقارنة بسعر الشراء المباشر. كما أن هذه الأسعار تتوافق أكثر مع طريقة الزبائن في إنشاء القيمة واستخراجها، إذ يدفعون المال عندما يستهلكون سلعة ما أو يستخدمونها في صنع شيء ما، وليس عندما يشترون المنتجات أو يكدسونها.

تجنب تسريح الزبائن

يتمثل أحد عيوب الاستجابة للتضخم برفع الأسعار في أنك قد تخسر زبائنك الذين لا يستطيعون تحمل التكاليف الأعلى، لكن هل يستحق الأمر خسارة زبائنك إن لم يكونوا زبائن “سيئين” (مهما كان معنى ذلك) وإنما ضحايا نموذج بالٍ للعمليات التجارية يقيد قدرتهم على تجربة منتجك واستخدامه؟ تتيح النماذج السعرية القائمة على إمكانية الوصول والاستهلاك والنتائج لعدد أكبر من الزبائن شراء ما يحتاجون إليه منك واستخدامه عند حاجتهم إليه بدلاً من حجز أموالهم في أصول باهظة أو تضييع المواد الأولية اللازمة لتطوير منتجات أفضل بالسرعة والحجم المناسبين لهم.

أرضِ المستثمرين

تضحّي نماذج التسعير الجديدة غالباً بتأثير الإيرادات المقدمة التي تولدها مبيعات السلع مرتفعة الثمن، ولكنها عموماً تعوض عنه بالإيرادات المتكررة الأعلى التي تستمر طوال حياة الزبون. يعتبر المستثمرون أن مسارات تدفق الإيرادات هذه أكثر جاذبية لأنها قابلة للتوقع وتوزع المخاطر على قاعدة زبائن أوسع.

وهذه النقطة هي ما يجعل نماذج التسعير الجديدة قراراً استراتيجياً لا استجابة تكتيكية. في عام 2013، انتقلت شركة “أدوبي” من بيع التراخيص الدائمة لزبائنها على شكل أقراص بلاستيكية ضمن علب إلى بيع إمكانية الحصول على البرمجيات بمقابل اشتراك شهري في مجموعتها “كرييتف كلاود” (Creative Cloud). في أثناء فترة إجراء التغيير تحمّلت الشركة انخفاضاً ضئيلاً في الإيرادات والأرباح، ولكنها تحقق نمواً قوياً منذئذ. وإلى جانب الميزات التي حققها نموذجها الجديد للتسعير شهدت ارتفاعاً كبيراً في قيمتها السوقية، من 22.5 مليار دولار عند إعلان النموذج الجديد إلى ما يزيد على 310 مليارات دولار في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2021.

بعض نماذج التسعير الجديدة جريئة أكثر من نموذج الاشتراكات، خذ مثلاً شركة خدمات التعدين الأسترالية “أوريكا” التي تحدد أسعارها بناء على جودة النتائج التي تحققها لعملائها لا الخدمات التي تؤديها أو كمية المواد المستخدمة، كما تعمل شركة السيارات الكهربائية “تيسلا” على اختبار نماذج التأمين القائمة على “سلوك القيادة في الوقت الحقيقي”، بدأ تطبيق هذا البرنامج في ولاية تكساس في شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2021 وهو يدعو السائقين لسداد “الدفعات الشهرية بناء على سلوك القيادة بدلاً من الاعتبارات التقليدية التي تستخدمها شركات التأمين الأخرى كالائتمان والعمر والنوع الاجتماعي وتاريخ المطالبات وسجلات القيادة”.

كانت هذه التغييرات على نماذج الإيرادات أقل شيوعاً في موجة التضخم التي شهدناها في عامي 2008 و2009، وكانت مستحيلة من الناحية العملية في أيام الركود التضخمي خلال سبعينيات القرن الماضي، لذا فإن الانتقال إلى نموذج تسعير جديد قد لا يتبادر إلى الأذهان فوراً حين تبحث الشركات عن حلول في الوقت الراهن. ولكن مع موارد البيانات والقوة التحليلية التي نتمتع بها اليوم، لم يعد لدينا أي مبرر لعدم استكشاف الاستجابات الاستراتيجية الجذابة الممكنة للتضخم بدلاً من حصر أنفسنا بالخيارات التكتيكية المتمثلة في رفع الأسعار أو تخفيض هوامش الربح أو تخفيض الجودة. إن لم ترغب الشركات في الانتقال إلى نموذج جديد بالكامل، فيمكنها على الأقل استخدام النماذج الجديدة والقديمة في آن معاً والسماح للعملاء باختيار ما يناسبهم منها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .