جلبت السنوات القليلة الماضية تحديات وتطورات وفرصاً غير مسبوقة للشركات من جميع الأحجام، ولا سيّما الشركات المتوسطة الحجم. وفي الواقع، سرّعت الجائحة تنفيذ العديد من المبادرات التي كانت مجرد رغبات وأحلام للشركات المتوسطة الحجم منذ بضع سنوات إلى أن أصبحت حقيقة واقعة اليوم. ولم نشهد حتى الآن أي قوة أخرى أسفرت عن تغييرات مهمة وتداعيات لاحقة أعظم من التحوّل الرقمي.

التحوّل الرقمي مختلف في الشركات المتوسطة الحجم

يراقب المركز الوطني لسوق الشركات المتوسطة الحجم (NCMM) حالة تنفيذ المشاريع التكنولوجية والتغيير الرقمي في تلك الشركات بنشاط، وهو توجّه بدأ عام 2019، أي قبل انتشار الجائحة حتى. وتُوصف الشركات المتوسطة الحجم بأنها الشركات التي تحقق إيرادات تتراوح بين 10 ملايين دولار ومليار دولار سنوياً، وهو نطاق إيرادات واسع بالطبع، لكنه يمثّل الثلث الأوسط من شركات القطاع الخاص في الولايات المتحدة من حيث الناتج المحلي الإجمالي والتوظيف. وعلى الرغم من اختلاف حجم الاستثمار التكنولوجي بين الشركات المتوسطة الحجم والقطاعات، لا يزال قادة تلك الشركات مترددين بشأن اتخاذ خطوة التحوّل الرقمي أم لا.

ولعلّ مصدر المشكلة يكمن في الموارد، بما فيها رأس المال والموظفون والوقت، إذ عادة ما تكون الموارد مقيّدة في الشركات المتوسطة الحجم مقارنة بالمؤسسات الأكبر التي تدير عمليات التحوّل الرقمي بشكل استراتيجي بالاستعانة بإدارة أو فريق متخصص. وعلى النقيض من ذلك، لا تجد الشركات الصغيرة الحجم حاجة إلى التفكير في مثل تلك المنصات، ما يجعل التحدي المتعلّق بالموارد مقتصراً على الشركات المتوسطة الحجم. ويتمثّل التحدي الآخر في حقيقة أنه غالباً ما تكون الأنظمة والأدوات الرقمية “العصرية” (1) باهظة الثمن، أو (2) غير متوائمة مع الاحتياجات الحالية، أو (3) تتطلب قدراً كبيراً من الدعم لتنفيذ المشاريع (وربما الصيانة).

5 أسرار للتخطيط للتغيير الناجح

ما النهج الذي يجب أن تتبنّاه فرق قيادة الشركات المتوسطة الحجم إذاً عند التعامل مع التغييرات التكنولوجية في ظل القيود الحقيقية التي تواجهها؟ يشير بحثنا إلى بعض العوامل المهمة التي يجب وضعها في الاعتبار لضمان ملاءمة أفضل وعائد أفضل على الاستثمار، سواء كنت تفكّر في تحويل شركتك إلى شركة رقمية، أو أنك بدأت رحلة التحوّل تلك بالفعل.

  1. المنصة: هل تستثمر في أدوات جديدة تماماً؟ أم أنك تعمل على تعزيز القدرات الجديدة لنظام موجود بالفعل؟ في كلتا الحالتين، سيولّد تخصيص مزيد من الميزانية للابتكار والتطوير الاستراتيجي وتحليلات الأعمال المحوسبة بدلاً من الإدارة اليومية للأعمال عائداً أكبر على المدى الطويل.
  2. الميزانية: في ظل شح الموارد المخصصة للاستثمار، والعوائق المالية المحتملة، وصعوبة الوصول إلى رأس المال نظراً لارتفاع أسعار الفائدة، هل تضمن تخصيص ميزانيات كافية؟ قد يستغرق تحقيق عائد على الاستثمار وقتاً أطول استناداً إلى النظام (الأنظمة) المعنية، لذلك، ضع في اعتبارك إجراء بعض التنازلات استناداً إلى الأولويات الأكثر إلحاحاً، كالأمان والكفاءة والإنتاجية والتحليلات المحوسبة وما إلى ذلك.
  3. العمليات: هل تتوافق الاستثمارات مع الزبائن والموردين؟ من الفوائد الثانوية لتنفيذ المشاريع التكنولوجية أيضاً تبسيط عمليات التواصل وإمكانية التتبّع الشامل للعمليات في سلسلة التوريد مثلاً. وقد لا يكون اختيار نظام مستند إلى التكاليف أو الموردين فقط نهجاً صحيحاً إذا كان شركاء التوريد وشركاء التوزيع يتبنون نهجاً مختلفاً، ولا بدّ بالتالي من التفكير ملياً في العمليات التي تحتاج إلى تغيير من خلال التخطيط للوظائف والعمليات الرئيسية.
  4. الموظفون: هل تمتلك شركتك عمالاً متخصصين يتمتعون بمهارات رقمية وقادرين على تنفيذ المشاريع التكنولوجية ودعمها وتشغيلها لاحقاً؟ اعترف أكثر من 90% من الشركات في أحدث استقصاء لمؤشر المركز الوطني لسوق الشركات المتوسطة، بوجود فجوة ملحوظة في المهارات الرقمية. قد تُفيد الاستعانة بشركاء التنفيذ والاستشاريين في ملء الفجوة على المدى القصير، لكن من المهم التفكير أيضاً في خطة المواهب على المدى الطويل.
  5. إدارة المخاطر: ترافق التكنولوجيا الجديدة مخاطر جديدة دائماً. هل قيّمت المخاطر الرئيسية ووضعت التدابير الأمنية المناسبة لحماية أصولك الرقمية الأكثر أهمية؟ قد يكون استخدام شريك موثوق مفيداً جداً في تحديد النقاط المبهمة أو التهديدات الجديدة التي لم تكن موجودة في النظام القديم.

احرص على دمج خطة التحوّل بالاستراتيجية

ستختلف هذه الاعتبارات الخمسة وآثارها بين مؤسسة وأخرى. لكن بصرف النظر عن الفروق الدقيقة لأي شركة فردية متوسطة الحجم، على القادة تخصيص وقت للتفكير في بعض الأسئلة الأوسع نطاقاً في أثناء عمليات تحوّل شركاتهم الرقمية. تشمل هذه الأسئلة الاستراتيجية:

  • هل نطمح إلى أن نكون من الرواد في قطاعنا في خلق قيمة تجارية من التكنولوجيا الرقمية؟
  • ما المجال الذي يميّزنا في قطاعنا؟ وما المجال الذي نتخلّف فيه عن أقراننا؟
  • هل تمتلك شركتنا رؤية رقمية واضحة وشاملة يفهمها الموظفون والزبائن والشركاء وتُستخدم لتوجيه القرارات الاستراتيجية؟
  • هل تمتلك شركتنا استراتيجية لاستخدام التكنولوجيا الرقمية لتحقيق ميزة تنافسية وزيادة الإيرادات واستخدام رأس المال بشكل أكثر فعالية؟

قد يقود التفكير الدقيق وتحقيق المواءمة في المؤسسة فيما يتعلّق بهذه الأساسات المنطقية إلى نتائج ملحوظة. على سبيل المثال، وجد تقرير المركز الوطني لسوق الشركات المتوسطة حول وضع التحوّلات الرقمية أن الشركات ذات عمليات التحوّل الرقمي الاستراتيجية المفصّلة نمت بمعدلات أسرع بشكل ملحوظ مقارنة بأقرانها. وعلمنا في الدراسة نفسها أن الشركات الكبيرة الحجم (التي تولّد إيرادات تبلغ 100 مليون دولار أو أكثر سنوياً) متفوقة في رحلاتها الرقمية، وهو أمر معقول نظراً لحجمها وإمكانية وصولها إلى الموارد عند مقارنتها بالشركات المتوسطة الحجم.

بشائر التحوّل الرقمي تجعل إدارة التغيير أمراً ضرورياً

لا يوجد شكّ في أن اتخاذ خطوة التحوّل الرقمي وتحقيق التغيير التكنولوجي وتنفيذه أمر شاق، حتى بالنسبة للشركات الكبيرة الحجم. لكن يمكن لشركات السوق المتوسطة الحجم بتبنّيها العقلية الصحيحة، والنهج الاستراتيجي المناسب، وإبرازها القدرة على الاستفادة من الموارد الخارجية تبعاً للحاجة أن تتبنى التغيير بوعي، وأن تنجح في كسب معظم فوائد التحوّل الرقمي لتحقق أكبر قدر من الكفاءة والتعاون والنمو في عالمنا التنافسي.