كيف تعد نموذج عمل ناجحاً في حقبة ما بعد الجائحة؟

7 دقائق
ابتكار نموذج العمل
ميراج سي/غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: تشهد الأسواق تغيرات متلاحقة، ويجب أن تواكبها تغيرات موازية في نماذج العمل. إذ يعتمد النجاح على ابتكار نموذج العمل باستمرار. ولكي يتحقق النجاح على أرض الواقع لا بد من تنفيذ أمرين أساسيين بأعلى درجات الإتقان: عليك استهداف قطاع محدد من السوق يمكن الدفاع عنه، وعليك إعداد نموذج عمل يمكّنك من تحقيق الفوز في معركتك ضد المنافسين الذين يحاولون استهداف القطاع ذاته. وعند تطوير نموذج عمل عالي الربحية وقادر على استقطاب عملائك المستهدفين، سيكون أمامك خياران أساسيان: (1) زيادة القيمة المضافة للعميل، أو (2) خفض تكلفة الخدمة (أو كلاهما). ويستعرض مؤلفا المقالة 6 شركات حققت نسباً عالية من الأرباح المستدامة من خلال استهداف قطاعات ربحية محددة بنماذج عمل مبتكرة أدت إما إلى زيادة القيمة المضافة للعميل أو خفض تكلفة الخدمة المقدمة.

 

ولكي تحقق شركتك النجاح في حقبة ما بعد الجائحة، يجب تنفيذ أمرين أساسيين بأعلى درجات الإتقان: اختيار استراتيجيتك بعناية بحيث تستطيع استهداف قطاع محدد من السوق يمكن الدفاع عنه، وتصميم نموذج عمل قادر على استقطاب السوق المستهدفة والسيطرة عليها.

المشكلة أن معظم الشركات ليست مستعدة للمنافسة في هذه الأوضاع المستجدة. فقد أدت الجائحة إلى تسريع وتيرة تفتيت السوق بصورة حادة، وهو ما مكّن كبرى الشركات الرقمية من النمو بسرعة نظراً لقدرتها على استغلال تجزئة السوق بهذه الصورة الدقيقة، لكن الشركات لم تغيّر نماذج عملها في معظم الأحيان لمواكبة هذه الأوضاع المستجدة. فقد افترض الكثير من المدراء بكل بساطة أن نماذج عملهم القديمة المجربة ومضمونة النتائج في السوق العمومية لا تزال فاعلة، ولا عجب في ذلك، فقد وصل هؤلاء المدراء إلى مناصبهم في الحقبة السابقة. ولا يزال المحللون الماليون يقيّمون الشركات بناء على معدلات نمو المبيعات وتقليل النفقات، وهو ما أدى إلى استفحال المشكلة.

وعند تطوير نموذج عمل عالي الربحية وقادر على استقطاب عملائك المستهدفين، سيكون أمامك خياران أساسيان: (1) زيادة القيمة المضافة للعميل، أو (2) خفض تكلفة الخدمة (أو كلاهما). وهذا أمر معقد بسبب الحاجة إلى تغيير نموذج العمل السابق الذي يقتضي استهداف السوق العمومية والاستعاضة عنه بنموذج عمل جديد يستهدف قطاعاً محدداً في السوق.

وعند الإقدام على اختيار نموذج عمل جديد، فإن نقطة البداية السليمة تتمثل في التعرف بوضوح تام على الطريقة الحالية لتوزيع الربح في شركتك. وكما أشرنا من قبل، فعندما تستخدم الشركات مقاييس وتحليلات جديدة ومفصّلة تستند إلى المعاملات (وضع نظام شامل للربح والخسارة على كل بند في الفاتورة)، سرعان ما ستلاحظ أن عملاءها يقعون في 3 قطاعات عامة للربح: “ذروة الربح”: العملاء ذوو الدخل المرتفع والربح المرتفع (يشكلون عادةً حوالي 20% من العملاء الذين يُدرِّون 150% من أرباحها)، و”استنزاف الأرباح”: العملاء ذوو الإيرادات المرتفعة والأرباح المنخفضة أو الخسائر (يشكلون عادة حوالي 30% من العملاء الذين يقوّضون حوالي 50% من هذه الأرباح)، و”الأرباح الصفرية”، العملاء ذوو الإيرادات المنخفضة والأرباح المنخفضة الذين يحققون ربحاً ضئيلاً، لكنهم يستهلكون حوالي 50% من موارد الشركة.

وتستطيع الشركة صياغة نموذج عملها الجديد لاستهداف أيٍّ من قطاعات ربحها، على الرغم من صعوبة استقطاب أكثر من قطاع واحد. وقد حققت الشركات التالية نسباً عالية من الأرباح المستدامة من خلال استهداف قطاعات ربحية محددة بنماذج عمل مبتكرة أدت إما إلى زيادة القيمة المضافة للعميل أو خفض تكلفة الخدمة المقدمة.

عملاء ذروة الربح

زيادة القيمة المضافة

استطاع قسم محركات الطائرات في شركة “جنرال إلكتريك” أن يتوصّل قبل سنوات عدة إلى رؤية ثاقبة أحدثت تغييراً جذرياً في القطاع كله. إذ كانت الشركة تنتهج في الماضي أسلوباً يقتضي بيع المحركات وقطع الغيار والخدمات بصورة منفردة. وكان كل قطاع معرّضاً للمنافسة السعرية الشرسة من جانب الشركات المنافسة المتخصصة في مجالاتها.

واستطاع المسؤولون التنفيذيون في شركة “جنرال إلكتريك” تحقيق انطلاقة مهمة حينما أدركوا أن كل ما يريده عملاؤهم أن يقتنوا طائرات خالية من العيوب، وأنهم لا يكترثون بالمكونات التي تسهم في تحقيق هذه الغاية. فعملوا من هذا المنطلق على تطوير نموذج عمل جديد أطلقوا عليه “أون بوينت” (OnPoint) والذي يقتضي بيع منتجات الشركة تحت شعار “الحساب بالساعة”، بحيث لم تعد شركات الطيران ملزمة بدفع أموالها مقابل شراء المحركات، بل مقابل وقت تحليق طائراتها. وصار الآن لدى الشركة المصنعة للمحركات حافز قوي لتحسين اعتمادية محركاتها، ليس هذا فحسب، بل صارت تمتلك أيضاً ميزة كبيرة مكّنتها من إزاحة شركات الصيانة الأخرى من طريقها. وهكذا، تخلصت “جنرال إلكتريك” من منافسيها بشكل أساسي من خلال إعادة تعريف القطاع بأكمله، وعلى هذا الأساس أصبح خط الطيران بالشركة أحد أسرع قطاعاتها نمواً. (تسببت جائحة كورونا في إصابة قطاع الطيران بالشلل إلى حد كبير، ولكن من المتوقع أن ينتعش القطاع وتعاود الشركة تحقيق النمو بهذه المعدلات المرتفعة مع السيطرة على الجائحة).

خفض التكلفة

تنتج شركة “سويغلوك” (Swagelok) أجهزة التحكم في تدفق الغاز والسوائل. وكان قسم الشركة في “وادي السيليكون” (Silicon Valley) بالشركة يتعامل مع قطاعين رئيسيين من العملاء، وهما: مختبرات الجامعات ومصانع أشباه الموصلات. كانت مختبرات الجامعات تحقق هوامش إجمالية عالية، فيما كانت مصانع أشباه الموصلات تحقق هوامش إجمالية منخفضة، لذا كانت فرق مبيعات تفضل التعامل مع المختبرات.

لكن ما إن بدأ مسؤولو الشركة استخدام مقاييس الربح القائمة على المعاملات، حتى اندهشوا عندما اكتشفوا أن صافي أرباح المختبرات أقل من صافي أرباح مصانع أشباه الموصلات. كانت مشكلة المختبرات أن كل طلبية مخصصة لتجربة مختلفة، وهو ما يستدعي بالضرورة استنزاف وقت المهندسين والكثير من المرتجعات. من ناحية أخرى، كانت مصانع أشباه الموصلات تقدم للشركة قائمة موحدة بطلبياتها لمدة عام كامل دون أي تكلفة إضافية على وجه التقريب. فقررت الشركة من هذا المنطلق تسريع مبيعاتها لمصانع أشباه الموصلات، وفيما يخص المختبرات، فقد قررت الشركة تعيين طلاب الدراسات العليا في كل جامعة وتدريبهم لتقديم المشورة للباحثين بشأن اختيار المنتج، وهو ما يعني نظرياً خفض التكلفة الهندسية والحد من المرتجعات. ومن ثم ارتفعت الأرباح.

عملاء استنزاف الأرباح

زيادة القيمة المضافة

تعمل شركة “نالكو” (Nalco) في إنتاج وتوزيع كيمياويات أنظمة معالجة المياه. وقد تعرضت منتجات الشركة السلعية لضغوط الأسعار من الشركات المنافسة. وبناءً عليه قررت شركة “نالكو” تركيب شاشات لاسلكية في خزانات المواد الكيميائية للعملاء بحيث يستطيعون قراءة معدلات سحب المواد الكيميائية. مكّنت هذه المعلومات “نالكو” من خفض تكاليف التوصيل، ووجدوا أيضاً أنها أتاحت لهم تقليل تكاليف التصنيع.

لكن مدراء “نالكو” توصلوا إلى فكرة ممتازة، وهي أن مراقبة المعدلات الفعلية لسحب المواد الكيميائية ومقارنتها بالمعدلات التي سيحصل عليها النظام إذا كان يعمل بكفاءة يتيح لهم تحديد ما إذا كان نظام العميل يعاني مشاكل تشغيلية. وعندما يلحظون المشكلة، يسارعون إلى تنبيه مهندسي العميل على الفور.

وحيث إن تكلفة نظام تشغيل متواضع تبلغ أضعاف تكلفة المواد الكيميائية، فقد أصبحت “نالكو” شريكاً استراتيجياً مهماً لعملائها، وبمجرد أن ركّبت الشاشات في خزانات العملاء وكوّنت علاقات عمل وثيقة مع مهندسي العملاء، حتى حققت ميزة صاحب السبق التي لم يستطع المنافسون التغلب عليها. وهكذا انتهت حرب الأسعار.

خفض التكلفة

تعمل شركة “تاغارت براذرز” (Taggart Brothers)، وهو اسم مستعار بالمناسبة، في قطاع بيع المنتجات الإلكترونية الاستهلاكية بالتجزئة. وعندما أجرى مدراؤها تحليلاً للأرباح استناداً إلى المعاملات، اكتشفوا أن حوالي نصف أرباح الشركة قد تآكلت بسبب المتاجر ذات المبيعات المنخفضة في الربع الأخير من دورة المنتج الموسمية.

وعندما دقّق المدراء في الأمر، اكتشفوا أن المشكلة لم تكن في تسجيل مدراء المتاجر للمنتجات القديمة في نهاية الدورة، بل تكمن في تأجيلهم طرح هذه المنتجات للبيع على أمل حدوث زيادة في المبيعات. أدى هذا بالتبعية إلى منعهم من عرض المنتجات الجديدة في ذروة موسم البيع الأولي. وكان هذا هو السبب الحقيقي لاستنزاف الأرباح.

وعندما اتصلوا بمركز التوزيع، أوضح مدراء المعروضات أن سياسة إعادة عرض المنتجات بالمتاجر في نهاية دورة المبيعات كانت تهدف إلى شحن المنتجات إلى المتاجر وفقاً لسجلات الطلب حتى نفاد المخزون في مستودعات الشركة. وبمقدور المتاجر الكبيرة بيع هذه المنتجات، ولكنها تسد الرفوف في المتاجر الصغيرة. وهكذا، كان الحل بسيطاً وغير مكلف بالمرة: تقليص الشحنات الموجهة إلى المتاجر الصغيرة قبل شهر من إيقاف الشحنات الموجهة إلى المتاجر الكبيرة. وبذلك ارتفعت الأرباح إلى مستويات غير مسبوقة.

عملاء الأرباح الصفرية

زيادة القيمة المضافة

تعمل شركة “إس كيه إف” (SKF) في تصنيع وتوزيع الأسطوانات الفولاذية. وقد سيطرت شركات تصنيع المعدات الأصلية على مبيعاتها، بينما شهدت سوق قطع الغيار تباطؤاً ملحوظاً، فقرر قادة الشركة من هذا المنطلق إنشاء قسم جديد لسوق قطع الغيار، ورأى مدير القسم الجديد أن قسمه يتعامل في حقيقة الأمر مع قطاعين مختلفين للغاية من العملاء.

حيث يوفر الأسطوانات الفولاذية للآلات في سوق قطع الغيار الصناعية، بينما يوفر الأسطوانات الفولاذية لمراكز إصلاح السيارات في سوق قطع غيار السيارات. وبينما يحتاج عملاء قطع الغيار الصناعية إلى تقليل مدة التوقف عن العمل إلى حين استبدال الأسطوانات الفولاذية، فإن عملاء قطع غيار السيارات يحتاجون إلى تحديد الأسطوانات الفولاذية المناسبة لوظائف معينة والحصول على الإرشادات والملحقات اللازمة لأداء المهمة.

وبناءً عليه، طوَّر فريق الإدارة معدات الصيانة (بما في ذلك مواد منع التسرب والمنظفات) لعملاء القطاع الصناعي من أجل إطالة عمر الأسطوانة الفولاذية. وبالنسبة لعملائها من مراكز صيانة السيارات، فقد عملت الشركة على تطوير المئات من معدات الوظائف التخصصية، والتي تضمنت قطع الغيار والأدوات والإكسسوارات والتعليمات. وهكذا، تضاعفت الأرباح المتحققة.

خفض التكلفة

تعمل شركة “باسيفيك دستربيوترز” (Pacific Distributors)، وهو اسم مستعار، في توزيع المشروبات. وعندما راجع مدراء الشركة مقاييس أرباحهم القائمة على المعاملات، شعروا بالسعادة لمّا لاحظوا أن علاماتهم التجارية الأساسية ذات المبيعات المرتفعة تحقق هوامش إجمالية منخفضة ولكنها تدّر أرباحاً عالية. لكنهم صُدموا عندما اكتشفوا أن مشروبهم الخاص سريع النمو وذا الهامش الإجمالي المرتفع يتكبد خسائر مالية.

فما كان منهم إلا أن افترضوا أن المشكلة تكمن في توزيع المشروب يومياً على أكبر محال التجزئة. ولكنهم عندما راجعوا المسألة بدقة، لاحظوا أن الكثير من صغار العملاء، ممثلين في محال البقالة والمتاجر الصغيرة، هم السبب في تكبيد الشركة هذه الخسائر. إذ كانت المشكلة أن شركة “باسيفيك دستربيوترز” توزّع المنتج عدة مرات في الأسبوع على المتاجر الصغيرة. وفي حين أن الأحجام الكبيرة للعلامات التجارية الأساسية قد ولّدت هامشاً إجمالياً للربح كافياً لدفع تكاليف النقل والتوزيع، فقد كانت الأحجام الصغيرة من مشروب الشركة الخاص تُكبّد الشركة تكاليف نقل وتوزيع تتجاوز بكثير هامش الربح الإجمالي (على الرغم من أن الهامش الإجمالي كان يشكل نسبة عالية من الإيرادات).

وعندما سألوا مندوبي المبيعات عن سبب توزيع المشروب بهذه الكثافة، أجابوا بأنهم يقدمون خدمة رائعة، حيث يتم شحن كل طلبية في اليوم التالي. وحينما سأل المدراء عن سبب تلقيهم هذا العدد الكبير من الطلبيات، أجابوا بأن مدراء المبيعات الذين يعملون تحت إشرافهم يتحكمون في عدد الطلبيات التي يتلقاها المندوبون يومياً، لذا كانوا يسارعون بتنفيذ أكبر عدد ممكن من الطلبيات. وما إن راحوا ينفّذون طلبيتين بدلاً من 3 طلبيات في الأسبوع الواحد، انقلب الوضع في هذا القطاع رأساً على عقب وصار يحقق أرباحاً مرتفعة.

نموذج العمل المناسب لاستهداف القطاع المناسب من العملاء

لا بد من إعادة النظر في وضعك الاستراتيجي ونموذج عملك عندما تتغير الأسواق. وقد باتت هذه مسألة حياة أو موت في حقبة ما بعد الجائحة. وكما قلنا من قبل، فإن النجاح يتوقف على فهم أمرين أساسيين: عليك استهداف قطاع محدد من السوق يمكن الدفاع عنه، وعليك إعداد نموذج عمل يمكّنك من تحقيق الفوز في معركتك ضد المنافسين الذين يحاولون استهداف القطاع ذاته.

عليك أولاً وقبل كل شيء أن تختار عملاءك، وتستبعد كل مَنْ لا تنطبق عليه الشروط. وعليك أيضاً إعداد نموذج عمل مبتكر عالي الربحية يعتمد على منح عملائك المستهدفين إما قيمة مضافة أكبر أو خفض تكلفة الخدمة المقدمة لهم (أو كليهما).

إذ لا يكمن الدرس المستفاد من نجاح “أمازون” في أنها استهدفت العملاء الذين أسقطهم الجميع من حساباتهم. فقد استهدفت “أمازون”، هي وغيرها من الشركات الرقمية العملاقة، قطاعاً صغيراً من سوق العملاء كان الجميع يستهدفونه في الأساس، بيد أن الشركات الأخرى فشلت في جذب هؤلاء العملاء للابتكار المكثف. أما “أمازون” فقد نجحت على الجانب الآخر في إعداد نموذج عمل شامل وناجح لاستقطاب هذا القطاع من العملاء، وظلّت توجّه كل تركيزها إلى تحسينه باستمرار.

تشهد الأسواق تغيرات متلاحقة، ويجب أن تواكبها تغيرات موازية في نماذج العمل. إذ يعتمد النجاح على ابتكار نموذج العمل باستمرار. وستتمكن من تحقيق النمو والربح لسنوات مقبلة من خلال التركيز المتواصل على نموذج العمل المناسب لاستهداف القطاع المناسب من العملاء.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .