كيف تنجح بعض الشركات غير المشهورة بإنتاج أفضل الرؤساء التنفيذيين؟

6 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تعين قرابة 10% من شركات “مؤشر ستاندرد آند بورز 500” (S&P 500) رؤساء تنفيذيين جدداً كل عام، وغالباً ما تأتي هذه التعيينات بعد أعوام من الاستعدادات المعقدة لتهيئة الرؤساء الجدد. وكثيراً ما يتصل بنا رؤساء تنفيذيون ومجالس إدارة يعانون من صعوبة تهيئة المرشحين المناسبين والبحث عن السبل الفعالة لتطوير الرئيس التنفيذي التالي.

تاريخياً، كانت الشركات الراسخة المخضرمة مثل “جنرال إلكتريك” و”آي بي إم” و”بروكتر آند غامبل” و”ماكنزي” تعتبر حاضنات للرؤساء التنفيذيين. وبالفعل، فإن 20.5% من جميع الرؤساء التنفيذيين الذين تم تعيينهم في شركات “مؤشر ستاندرد آند بورز 1500” ما بين عامي 1992 و2010 جاؤوا من 36 مصنعاً للرؤساء التنفيذيين مثل الشركات التي ذكرناها، وكانت “جنرال إلكتريك” أكبرها. وغالباً، كانت العلامات التجارية القوية لهذه الشركات تساهم في مساعدة مسؤوليها التنفيذيين على احتلال قمة قوائم البحث. ولكن اليوم، تعمل شركة “جنرال إلكتريك” بإدارة شخص من خارجها، وأصبح أداء “آي بي إم” متفاوتاً، كما شهدت “بروكتر آند غامبل” “محاولة ثانية” مؤلمة فيما يتعلق بالإحلال الوظيفي في منصب الرئيس التنفيذي. والآن، يجب علينا النظر فيما وراء العلامات التجارية من أجل كشف الممارسات القابلة للتكرار والتي يمكن لمجالس الإدارة والرؤساء التنفيذيين وفرق الموارد البشرية استخدامها من أجل تقوية صفوف قيادتها.

يسهل علينا افتراض أن أكبر الشركات الأكاديمية تحتل الصدارة في تطوير الكفاءات، ومن خلال مشاركتنا في بحث مشروع “سي إي أو جينوم” (CEO Genome) الذي تجريه شركة “جي آتش سمارت” (ghSMART)، فاجأتنا النتائج ببعض الشركات التي تنتج أعداداً ملفتة من الرؤساء التنفيذيين. كما يتمتع الرؤساء التنفيذيون الذين تنتجهم هذه الشركات بأداء جيد، ويعود جزء من الفضل في ذلك إلى ممارسات تطوير القدرات القيادية المتبعة فيها. تقول تقديراتنا أن هناك أكثر من اثني عشر “مصنعاً خفياً للرؤساء التنفيذيين” ضمن مجموعة من القطاعات والمناطق الجغرافية، والأمثلة عن هذه الشركات تشمل “ميدترونيك” (Medtronic) و”روم آند هاس” (Rohm and Haas) و”داناهير” (Danaher). وسنستكشف الشركتين الأخيرتين بتفصيل أكبر.

لم تكن شركة “داناهير” معروفة بين عموم الناس، رغم أدائها المتميز في الابتكار العلمي، إلى أن استلم الرئيس التنفيذي الذي تخرج منها، لاري كالب، زمام الأمور في شركة “جنرال إلكتريك”. وكذلك الأمر بالنسبة لشركة “روم آند هاس”، التي اندمجت مع “داو كيمكال” (Dow Chemical) عام 2009، فقد كانت تحظى باحترام كبير ضمن قطاع الكيماويات، ولكنها أيضاً كانت حينئذ غير معروفة بين عامة الناس. ومع ذلك، تمكنت الشركتان من إنتاج أعداد كبيرة من الرؤساء التنفيذيين الناجحين. والأهم، أصبح أداء الشركات التي استلم إدارتها رؤساء تنفيذيون قادمون من شركتي “روم آند هاس” و”داناهير” أفضل بنسبة 67% من أدائها تحت إدارة رؤساء تنفيذيين آخرين. (قارن شريكانا في البحث في جامعة شيكاغو، فيرا تشاو والأستاذ ستيف كابلان، عائدات الأسهم في الشركات تحت إدارة 35 رئيساً تنفيذياً قادماً من “روم آند هاس” أو “داناهير”، وقارنا هذه العائدات مع عائدات سوق الأسهم لنفس الشركات بقيادة رؤساء تنفيذيين آخرين، وأجروا التعديلات اللازمة وفقاً للاختلافات في عائدات الشركات).

برزت ثلاثة ممارسات أثبتت أهميتها في نجاح حاضنات الرؤساء التنفيذيين الخفية هذه، وهي مختلفة عن الأساليب الشائعة التي نراها في كثير من الشركات الكبيرة اليوم. تفيد هذه الممارسات مجالس الإدارة والرؤساء التنفيذيين ورؤساء أقسام الموارد البشرية في إعداد الرؤساء التنفيذيين الجدد، كما تقدم توجيهاً مفيداً لمن يسعون للنمو.

1. امنح القادة سلطة واسعة. على عكس البنية الإدارية القائمة على المصفوفات المعقدة المنتشرة بين الشركات الكبيرة اليوم، تمنح حاضنات الرؤساء التنفيذيين الخفية مدراءها العامين أدواراً واسعة وسلطة كبيرة لاتخاذ القرارات. يقول راجيف غوبتا (راج)، الذي شغل سابقاً مناصب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي والرئيس في شركة “روم آند هاس” متذكراً: “يحمل المدراء العامون لدينا مسؤولية التصنيع والبيع والبحث والتطوير وسلسلة الإمداد وإدارة الأصول منذ مرحلة مهنية مبكرة. وكانت هذه الوظائف متطابقة مع وظيفة الرئيس التنفيذي، وتتمثل في إعداد تقارير الأرباح والخسائر والميزانية العمومية بالكامل، واتخاذ قرارات هامة دون توجيه يذكر من الشركة”. قضى الرؤساء التنفيذيون القادمون من “روم آند هاس” و”داناهير” نصف حياتهم المهنية تقريباً في أدوار قيادة الأرباح والخسائر قبل استلام منصب الرئيس التنفيذي للمرة الأولى، وهذا ما زودهم بخبرة ذات قيمة كبيرة في إدارة الشركات. يقول آندي سيلفرنيل الذي انضم إلى شركة “إيديكس” (IDEX) قادماً من “داناهير” وتمكن من خلق قيمة للمساهمين تقدر بما يزيد عن 9 مليارات دولار أثناء عمله كرئيس تنفيذي: “في داناهير، أوكل إلي العمل في الأرباح والخسائر لأول مرة بعد تخرجي من كلية الأعمال بستة أشهر. كانت البيئة لا مركزية بدرجة كبيرة، وأتاحت لي كثيراً من الفرص لإدارة شركة فعلياً في أوائل الثلاثينات من عمري. لم يكن هناك مفر من تحمل المسؤولية كاملة، وكان عليّ اتخاذ قرارات حقيقية وأنا بعمر صغير”. يعتبر منح القائد سلطة واسعة لاتخاذ القرارات عنصراً هاماً في إعداد الرئيس التنفيذي المستقبلي، إذ يبين بحث مشروع “سي إي أو جينوم” الذي نجريه أن احتمالات نجاح الرؤساء التنفيذيين القادرين على اتخاذ قرارات هامة كانت أكبر بنسبة 12 مرة.

2. شجعهم على التفكير كرؤساء تنفيذيين. تدفع حاضنات الرؤساء التنفيذيين الخفية قادتها منذ الأيام الأولى للتفكير كرؤساء تنفيذيين، إذ يركزون بشدة على المقاييس والمساهمين ذوي الصلة المباشرة بخلق القيمة. يتم تدريب المدراء في “داناهير” على إيلاء الأولوية للأموال النقدية والعائدات على رأس المال التشغيلي والمكانة التنافسية القوية في الأسواق مع توقعات النمو. وبالنتيجة، يكون الرؤساء التنفيذيون القادمون من “داناهير” شديدي الذكاء في اختيار الشركات ذات الجودة العالية ليقوموا بإدارتها والاستحواذ عليها. على سبيل المثال، كان سكوت كلوسون رئيساً تنفيذياً ناجحاً تمكن من زيادة قيمة أول شركة أدارها بمقدار أربعة أضعاف (وهي شركة “جي إس آي”، للمعدات الزراعية وتبلغ قيمتها 800 مليون دولار) وحقق أكثر من ضعف العائدات في الشركة الثانية (وهي “كاليغان كومباني” لمعالجة المياه وتبلغ قيمتها 500 مليون دولار). أخبرنا سكوت أنه اعتمد على تدريبه في شركة “داناهير” لإتمام ما يزيد عن 35 عملية استحواذ والمساعدة على تقوية المكانة التنافسية للشركات وإضافة قيمة للمساهمين تبلغ ملايين الدولارات.

تغرس شركة “روم آند هاس” في قادتها حس المسؤولية عن خمسة مساهمين أساسيين (ما يسمى “الأصوات الخمسة” في لغة الشركات)، وهم الزبائن والموظفون والمستثمرون والمجتمع والعمليات. وفي معظم الشركات، لا تتحول هذه النظرة الشاملة إلى عملية صنع قرار يومية إلا لدى مسؤولي المناصب التنفيذية العليا. يقول بيير بروندو، الرئيس التنفيذي لشركة “إف إم سي” (FMC Corporation) القادم من “روم آند هاس”: “كنا في روم آند هاس نتعلم في مراحل مبكرة جداً أن نقيّم كل قرار من منظور الأصوات الخمسة، فالتفكير بكامل مجموعة المساهمين التي تحمل مسؤوليتها هو ما يهيئك لمنصب الرئيس التنفيذي. لا يتعلق الأمر بإرضاء مديرك، بل بالقيام بما يناسب مساهميك”. نجح بيير في تطبيق هذه المبادئ من أجل زيادة قيمة شركة “إف إم سي” خمسة أضعاف أثناء فترة خدمته كرئيس تنفيذي لها. وفي بحث مشروع “سي إي أو جينوم” الذي أجريناه، وجدنا أن القادة الذين يشركون المساهمين في توليد النتائج يتمتعون باحتمالات مضاعفة للنجاح كرؤساء تنفيذيين.

3. تحد أصحاب الأداء القوي بالفرص القوية في مرحلة مبكرة. ترسل حاضنات الرؤساء التنفيذيين الخفية المدراء الشباب إلى المياه المجهولة مع أدنى حد من الدعم، يقول راج: “راهنا على موظفين وحركناهم منذ مراحل مبكرة”. ونوه أحد المسؤولين التنفيذيين في “روم آند هاس”: “كان راج مرتاحاً جداً وهو ينظر بعيداً عن المرشحين الواضحين للمناصب الكبيرة، وغالباً ما كان يبحث في مستويات أدنى”. على سبيل المثال، في أواخر التسعينيات، راهن راج على مديرة شابة لا تتمتع بالخبرة نسبياً اسمها كارول آيتشر كي تقود طرح مشروع استثماري مشترك بقيمة مليار دولار في المملكة العربية السعودية، وكان المشروع الأول من نوعه لشركة “روم آند هاس”. لم يتردد في إرسال كارول للمفاوضة على هذه الصفقة المعقدة الهامة، والتي كانت أكبر من جميع وحدات العمل التابعة للشركة آنذاك، فقد كان يؤمن أنها تملك الذكاء اللازم للنجاح. نجحت كارول في طرح المشروع الاستثماري المشترك وأصبحت لاحقاً رئيسة تنفيذية ناجحة لشركة “إنوكور” (Innocor) وتمكنت من زيادة عائدات المستثمرين بمقدار أربعة أضعاف.

بين بحثنا أن أنواع المراهنات الجريئة هذه (أي ما يسمى “محفزات المسار المهني”) تساعد على تسريع وصول القادة إلى القمة، ويملك الرؤساء التنفيذيون القادمون من هذه الحاضنات الخفية هذا النوع من الخبرات المهنية أكثر من الرؤساء التنفيذيين العاديين. وبالمقارنة مع ثلث الرؤساء التنفيذيين الذين شملناهم في تحاليلنا، نجد أن جميع الرؤساء التنفيذيين القادمين من الحاضنات الخفية يملكون على الأقل نوعاً واحداً من محفزات المسار المهني هذه، في حين يملك 79% منهم نوعين، و37% يملكون ثلاثة أنواع أو أكثر (مقارنة بنسبة لا تتجاوز 6% من جميع الرؤساء التنفيذيين في تحليلاتنا).

التزام الرئيس التنفيذي هو أمر أساسي

وكي يستفيد الرئيس التنفيذي من هذه الأساليب، يجب أن يلتزم بتطوير مسار القيادة ويعتبره أهم أولوياته. يقول راجيف غوبتا إن التزامه بهذه الممارسات ساعده على تهيئة 16 رئيساً تنفيذياً ناجحاً أثناء مدة عمله في شركة “روم آند هاس”، بمن فيهم إلهام قادري التي تشغل الآن منصب الرئيس التنفيذي للمرة الثانية وتدير شركة “سولفاي” (Solvay)، وهي شركة كيماويات بقيمة 11 مليار دولار يقع مقرها في بروكسل. تقول قادري: “عندما كنت مديرة شابة ولم تتجاوز مدة عملي في روم آند هاس بضعة أشهر، أوكلت إلي مسؤولية إنهاء عملية استحواذ كبيرة في روسيا وسط أزمة عام 2008 المالية. وبعدها، كنت أول امرأة تتسلم منصب المدير العام في الشرق الأوسط وأفريقيا، وقدت نقل تقنيات روم آند هاس إلى الإمارات العربية المتحدة وتنفيذ استثمارات ضخمة في المملكة العربية السعودية. شكلت هذه الفرص تحديات كبيرة في مرحلة مبكرة جداً من حياتي المهنية، اضطررت فيها للتعامل مع كثير من الأمور المجهولة واتخاذ قرارات بشأن مجموعة واسعة من القضايا، وكان ذلك تدريباً رائعاً لي كي أصبح رئيسة تنفيذية”.

لا تتطلب هذه الممارسات الثلاث لتطوير الرؤساء التنفيذيين ميزانيات ضخمة أو تدريباً كثيراً، وإنما تتطلب قيماً قيادية وبنية تنظيمية تسمح بالتعزيز والمجازفة الحقيقيين، وقبل كل شيء، تتطلب مشاركة القائد الأعلى واهتمامه الصادق بصنع المزيد من القادة الأقوياء القادرين على اتخاذ القرارات، وليس صنع جنود مطيعين له في الشركة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .