لماذا لا تعود علينا الملايين التي ننفقها على إدماج الموظفين بمكاسب وفيرة؟

3 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تُنفق المؤسسات مئات ملايين الدولارات على برامج إدماج الموظفين، لكن لا تزال نتائجها في استبيانات الإدماج منخفضة للغاية. كيف يُعقل ذلك؟ يعود ذلك إلى أن معظم المبادرات لا ترقى لأكثر من درجة التحفيز. تُقدم المنافع من أجل تحسين النتائج، إلا أن أثرها يزول مع مرور الوقت وتُعاود النتائج الانخفاض من جديد. تُقدم منفعة أخرى وترتفع النتائج من جديد، ومن ثم تعود لتنخفض مجدداً. كلما تكررت هذه الحلقة المفرغة، شعرنا أكثر بأنها عبارة عن مناورات، ويبدأ الناس برؤية الحلول قصيرة الأجل لما هم عليه.

عندما تحصل المؤسسات على مكاسب فعلية من الإدماج، فإن هذا يُعزى إلى تفكيرها طويل الأمد، إذ تتجاوز أفعالها نتائج استبيانات الاندماج التي تحصل عليها في الوقت الراهن وتُعيد تصميم تجربة الموظف، بحيث تهيئ له مكاناً يرغب في العمل فيه يومياً ولا يكون مضطراً إلى العمل فيه فحسب. لكن ما المقصود بذلك وكيف يبدو؟

لأفهم ماهية الأمر، أجريتُ مقابلات مع 150 من علماء النفس والاقتصاد وقادة الأعمال في جميع أنحاء العالم. وشارك في اللقاءات المسؤولون التنفيذيون ورؤساء الموارد البشرية والابتكار وتكنولوجيا المعلومات والتنوع، ومثّلوا مجموعة من الصناعات والقطاعات (مثل التكنولوجيا والصناعة والبيع بالتجزئة والخدمات المهنية والتعليم والشركات الناشئة وغيرها). بناءً على تلك المحادثات، حدّدت الظروف الثلاثة الأكثر أهمية للموظفين: الظروف الثقافية والتكنولوجية والمادية. ثم عملت مع سيرج دا موتا فيغا من “الجامعة الأميركية” وستيفن كينغ من شركة “إيمرجنت ريسيرتش” (Emergent Research)، على وضع أسئلة للاستبانة لتحديد طريقة عمل المؤسسات في كل من هذه المجالات، وقُدم الدعم للبحث من قبل شركتي “سيسكو” (Cisco) و”ليفر” (Lever).

بعد تحليل أكثر من 250 مؤسسة متنوعة، والاستفادة من قائمة “فورتشن 100” (Fortune 100) وقوائم مختلفة حول “أفضل أماكن العمل”، وجدت أن أكثر من نصف الشركات حصلت على تصنيفات سيئة من قبل موظفيها في إحدى المجالات الثلاثة على الأقل، وحصلت 20% منها على نتائج متدنية جداً في المجالات الثلاثة جميعها. على الرغم من التقدم الذي أحرزته 23% من هذه الشركات، استثمرث 6% منها فقط بكثافة في المجالات الثلاثة جميعها، حيث شهدت تلك “المؤسسات التجريبية” (مثل “أدوبي”Adobeو”أكسنتشر” Accentureو”فيسبوك” و”مايكروسوفت” وغيرها) مكاسب ناتجة عن الأداء.

عندما أجريت مقابلات مع قادة الأعمال في المؤسسات التي حصلت على أفضل النتائج، أخبروني أن استثماراتهم في الظروف الثلاثة لتجربة الموظف لم تقتصر على زيادة رضا الموظفين فحسب، بل أدت أيضاً إلى نمو مسارات المواهب وزيادة الربحية والإنتاجية. إلا أن هذه الأدلة كانت متناقلةً فحسب، ولذلك تفحصت مرات ظهور الشركات في قائمة “أفضل الشركات”. على سبيل المثال، بالمقارنة مع الشركات الأخرى التي تناولتها، لاحظت أن الشركات التي استثمرت أكثر من غيرها في تجربة الموظف أدرجت أكثر بـ 28 مرة في قائمة الشركات الأكثر ابتكاراً التي تُصدرها شركة “فاست كومباني” (Fast Company)، وأكثر بـ 11.5 مرة في قائمة “أفضل أماكن العمل” التي يُصدِرها موقع “غلاس دور” (Glassdoor)، وأكثر بـ 2.1 مرة في قائمة الشركات الأكثر ابتكاراً في العالم التي تصدرها مجلة “فوربس” (Forbes)، وأكثر بـ 4.4 مرة في قائمة أرباب العمل الأكثر رواجاً في أميركا الشمالية التي يصدرها موقع “لينكد إن”، وأكثر بمقدار الضعف في مؤشر رضا الزبائن الأميركي (American Customer Satisfaction Index).

كما تظهر بعض الأدلة الدامغة في البيانات المالية. لم أستطع إيجاد كل مقياس محدد لكل شركة بعينها ولكن بقيت النتائج مذهلة. حصلت المؤسسات التجريبية على متوسط أرباح أكبر بأربعة أضعاف ومتوسط عائدات أكبر بأكثر من الضعف بالمقارنة مع الشركات الأخرى، وكانت أيضاً أصغر حجماً تقريباً بنسبة 25%، ما يشير إلى مستويات أعلى من الإنتاجية والابتكار.

وتفوقت من حيث الأداء على مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” (S&P 500) وبورصة “ناسداك” (NASDAQ)، وقائمة أفضل 100 شركة للعمل لصالحها التي تصدرها “فورتشن”، وقائمة أفضل أماكن العمل التي يصدرها موقع “غلاس دور”، بالإضافة إلى المؤسسات الأخرى التي تَناولتُها بهوامش كبيرة.

بعد مطالعة البيانات، من الواضح أن ثمة عودة كبيرة إلى المؤسسات التي تركّز على تجربة الموظف طويلة الأجل، وليس فقط على الاندماج في المكان والزمان الحالي. تمتلك “أدوبي”، على سبيل المثال، قيمة افتراضية لتجربة الزبون والموظف وتنفذ استثمارات كبيرة في برامج ملاحظات الموظفين الفورية، وتُعزز جهود التنوع والاندماج، وتتيح للموظفين الوصول إلى التقنيات المخصصة للمستهلكين، وتبني أماكن العمل وفقاً لمخططات متعددة للطوابق لاستيعاب مختلف الأساليب والتفضيلات. وتستضيف كل من “لينكد إن” و”أكسنتشر” على حد سواء هاكاثونات للموارد البشرية، حيث يُساعد الموظفون على إلغاء وظائف الأشخاص والموارد البشرية واستعادتها بحيث تعكس العمل الذي يفعلونه حقاً (ويتعين عليهم فعله). تتعامل “إير بي إن بي” (Airbnb)، مع مكانها الفعلي على أنه برنامج، إذ تُختبر الشركة باستمرار مختلف التصاميم ومخططات الطوابق، ويستطيع الموظفون التطوع من أجل تصميم وبناء قاعات الاجتماعات الخاصة بهم بميزانية متواضعة. وتقوم شركة “كيه بي إم جي” (KPMG) و”حديقة حيوانات سان دييغو” (San Diego Zoo)، بعمل رائع وهو رواية حكايتهما التنظيمية ومساعدة الموظفين على إدراك تأثير مساهماتهم على المؤسسة، ما يعزز الشعور بالانتماء والهدف.

قد ترغب مؤسستك في اتباع نهج مختلف. المهم هو تحويل اهتمامك عن أرقام الإدماج المتقلبة هذه والتركيز على طريقة اكتشاف الناس لمؤسستك يوماً بيوم، وهذا يعني التخلي عن وضع الأشخاص في أماكن عمل بالية، وإعادة تصميم أماكن العمل والممارسات بحيث تتمحور حول موظفيك.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .