إدارة الاحتراق الوظيفي

28 دقيقة
إدارة الاحتراق الوظيفي
shutterstock.com/marcinswiostek
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إليك هذه المقابلة عن إدارة الاحتراق الوظيفي تحديداً. أجرت هارفارد بزنس ريفيو مقابلة في أحد برامجها الصوتية (بودكاست) “ومين آت ورك” أو “النساء في العمل” (Women at Work) مع أوليفيا ماندي أونيل، وهي أستاذة جامعية مشاركة في الإدارة بكلية إدارة الأعمال في “جامعة جورج ميسون” (George Mason University)، وكبيرة العلماء في مركز “أدفانسمينت أوف ويل بيينغ” (Advancement of Well-Being) في الجامعة.

وننقل لكم مقتطفات من هذه المقابلة:

يمكِنكم الاستماع إلى هذه المدونة الصوتية والاشتراك فيها عن طريق آبل بودكاستس | جوجل بودكاستس | ملخص الموقع الغني.

ليس بالضرورة أن يصيبنا العمل لساعات طويلة بالإنهاك، إلا أن عدم الحصول على قدر كاف من النوم، أو حتى الشعور بعدم التقدير، هو ما قد يشعرنا بالإنهاك. وعادة ما تواجه النساء ضغوطاً إضافية تتسبب في شعورهن بالإنهاك، مثل الأعمال المكتبية أو العمل في “مناوبة مسائية” من المنزل. وبمجرد تملك الإنهاك منا، سوف يستلزم علاجه أكثر من مجرد حضور دروس اليوغا، أو قضاء إجازة بهدف استجماع قوانا مرة أخرى.

اليوم، تشرح لنا ماندي أونيل، خبيرة الرفاهة في مكان العمل، أسباب الاحتراق الوظيفي وأعراضه وآثاره. كما تقترح عدة حلول للتغلب على الإنهاك، بما فيها الضحك مع الزملاء، إضافة للتعريف بسبل حماية أنفسنا من التعرض للإنهاك الشديد في المقام الأول.

النص:

نيكول توريس: ما الذي تودين معرفته عن إدارة الاحتراق الوظيفي يا إيمي بيرنستين؟ ماذا يعني الاحتراق الوظيفي بالنسبة لك؟

إيمي بيرنستين: حسناً، أشعر أنني أعاني من الاحتراق الوظيفي هذه الأيام، ويعود السبب جزئياً إلى الاستعدادات التي قمنا بها بهدف تقديم هذه الحلقة. أشعر أن كل شيء يسبب لي الإنهاك الآن. هل أنا منهكة بالفعل؟ أم أن شعوري بالإنهاك هو مجرد نسج من خيالي؟

نيكول توريس: أوه.

إيمي بيرنستين: ماذا عنك يا إيمي غالو؟

إيمي غالو: أريد أن أعرف إذا ما كنت أعاني من الاحتراق الوظيفي. وأخشى قليلاً من خوض هذا النقاش، لأني قد أكون أعاني بالفعل من عدم إدارة الاحتراق الوظيفي منذ فترة طويلة دون حتى أن أدرك. وأعتقد أن أحد أعراض إصابتي بالإنهاك هو إحجامي عن تمحيص المشكلة.

إيمي بيرنستين: أوه.

نيكول توريس: نعم. أعني، ربما أكون قد شعرت بالإرهاق ثم تجاوزت هذا الشعور، إلا أني دائماً ما أشعر أنني على وشك الإنهاك مجدداً، وكأن الإنهاك جزء من حياتنا اليومية، إنه شعور سيئ للغاية. لهذا، أريد أن أعرف كيفية إدارة الاحتراق الوظيفي وسببه، ولماذا نشعر به باستمرار. هل هناك أي شيء يمكننا فعله حيال هذا الشعور؟

إيمي بيرنستين: بالطبع. من المهم معرفة ما يجب علينا فعله حيال الشعور بالإنهاك. هل أنا على حق؟

نيكول توريس: بالطبع، إذاً ما الذي يجب علينا فعله حيال الاحتراق الوظيفي؟

إيمي غالو: تواصلنا مع ماندي أونيل، التي انضمت إلينا من استوديو في بيركلي – كاليفورنيا، بهدف الحصول على إجابات عن أسئلتنا.

ماندي أونيل: أستطيع سماعكن بشكل جيد. معكم ماندي أونيل.

إيمي بيرنستين: مرحباً بك يا ماندي.

نيكول توريس: ذلك جيد.

إيمي بيرنستين: تشغل ماندي منصب أستاذة جامعية مشاركة في الإدارة في كلية إدارة الأعمال في “جامعة جورج ميسون”. كما أنها كبيرة العلماء في مركز “أدفانسمينت أوف ويل بيينغ” في الجامعة.

ماندي أونيل: مرحباً!

إيمي بيرنستين: أهلاً بك يا ماندي. أنا إيمي بيرنشتاين.

إيمي غالو: وأنا إيمي غالو.

ماندي أونيل: مرحباً بكما!

نيكول توريس: أهلاً بك يا ماندي.

ماندي أونيل: مرحباً!

نيكول توريس: أنا نيكول توريس.

ماندي أونيل: أهلاً بك، أشعر بالحماس لانضمامي إليكن.

إيمي بيرنستين: لنبدأ بتعريف المصطلح الذي نتحدث عنه يا ماندي. ما المقصود بمصطلح إدارة الاحتراق الوظيفي؟

ماندي أونيل: يوجد العديد من التعريفات للمصطلح، ربما بقدر عدد الأشخاص المهتمين بالموضوع. إلا أننا غالباً ما نسترشد ببحوث كريستينا مازلاك، والتي استمر العمل عليها 30 عاماً، عندما نفكر في معنى إدارة الاحتراق الوظيفي من الناحية الأكاديمية، والذي قد يشمل الإرهاق العاطفي، وتبدد الشخصية، إضافة إلى تراجع فعلي فيما يتعلق بشعور الإنجاز الشخصي.

إيمي بيرنستين: حسناً. ما هي العوامل التي قد تُسفر عن الاحتراق الوظيفي؟

ماندي أونيل: حسناً، تقول الحكمة إن الجمال يكمن في عيني الناظر، وأعتقد أن هذا ينطبق على التوتر أيضاً. النقطة الأساسية هنا هي أن التصورات الشخصية لموضوع الإنهاك مهمة. لذا، قد يُصاب شخص ما بالتوتر الشديد من أمر بعينه، بينما قد لا يكون لهذا الأمر أي تأثير على شخص آخر. ولكن، إذا نظرنا إلى الضغوطات التي تستمر في تأجيج شعورنا بالتوتر مراراً وتكراراً، سوف نلاحظ أمرين. أحدهما هو الموارد التي تشمل كلاً من المال والترقيات والمزايا من ناحية، والموارد النفسية من ناحية أخرى. وقد شهدتُ هذا بالفعل أثناء عملي في مجال الرعاية الصحية، فقد أجريت بحوثاً حول المستشفيات وأنظمة الرعاية الصحية، والتي تُعد من أكثر الموارد ثراءً. لهذا، ليس من المستغرب أن تتضمن هذه الأماكن أيضاً النسبة الأقل من الإنهاك. وقد يعود سبب انخفاض نسبة الإنهاك في هذه الأماكن إلى وجود رئيس تنفيذي مثالي، أو عدد عملاء رائع، أو قد يكون السبب وضعاً مالياً جيداً من ناحية مجموع الدخل الصافي. وبالتالي، توظف هذه المؤسسات مواردها في سبيل دعم الموظفين. وبالمناسبة، لا تتضمن هذا الموارد الأجور فقط، وإنما أيضاً تشمل القدرة على تلبية اهتماماتك في وقت فراغك، مثل حضور ندوة حول علاج الحيوانات الأليفة أثناء يوم العمل، أو أياً كانت اهتماماتك. وبالتالي، لا تتضمن الموارد المال بالضرورة، إنها تشمل الوقت والاستقلال الذاتي أيضاً. وفي المقابل، نرى أن المؤسسات التي تفتقر إلى هذه الموارد، أو التي تتسم بسوء الإدارة، تعاني من أسوأ مستويات الاحتراق الوظيفي. وأعتقد حقاً أنه توجد صلة بين الموارد والشعور بالإنهاك، فربما يكون سبب الإنهاك مجرد ظروف عمل مادية رهيبة، أو تكون عدداً غير مناسب من الموظفين، أو حتى قلة في الموارد اللازمة لأداء العمل على نحو جيد. أيضاً، قد تتمثل الأسباب في ثقافة مسمومة موجهة نحو السعي لتحقيق النتائج والإيرادات، مع ضعف التمويل المالي وقلة الابتكارات، وهو ما يدفع الرئيس التنفيذي إلى اقتطاع الأجور بهدف جعل الأرقام تتناسب مع الحد الأدنى من الموارد. ووجدت أن نسبة الشعور بالاحتراق الوظيفي كبيرة في تلك الحالات.

إيمي بيرنستين: حسناً.

إيمي غالو: هل يمكنك التحدث عن مشاكل التركيز أيضاً، وكيف تؤدي إلى الاحتراق الوظيفي؟

ماندي أونيل: هذا سؤال عظيم. كثيراً ما يُطلب من النساء العمل في مناوبة مسائية، فيعدن إلى منازلهن ويبدأن العمل مجدداً. وهن عادة المسؤولات عن تنظيم الحسابات المالية العائلية ورعاية الأطفال. وقد لاحظت في إحدى المرات بالفعل أن ذهني شرد حول المخيمات الصيفية للأطفال، والتي لن تقام قبل مدة طويلة، في شهر فبراير/ شباط. أعني أنني لست بحاجة إلى التفكير في هذه الأمور الآن. ولكنّ التفكير فيها يخلق بعض المشاكل المعروفة والمرتبطة بتشتت الذهن. وندعو هذه المشاكل من الناحية النظرية في بعض الأحيان “العبء المعرفي”، مثل أن يُطلب منك حفظ خمسة أرقام أثناء أدائك لمهمة ما. وهو أمر من شأنه أن يخلق بعض المشاكل في التركيز. لهذا، أعتقد أن أداء المناوبة المسائية خارج مكان العمل، ومهمات النساء الإضافية في المنزل، هي أسباب قد تفسر حدوث مشكلات التركيز هذه. وهذه أحد الأوقات التي يكون فيها مفهوم اليقظة الذهنية مناسباً للغاية، خصوصاً بالنسبة للنساء، لأنه يفرض عليك التركيز على اللحظة الحاضرة بطريقة هادفة للغاية، وأعتقد أنها مجموعة رائعة حقاً من التدخلات للجميع بشكل عام، والنساء بشكل خاص.

نيكول توريس: ماذا عن ربط الأفراد للإنهاك بالعمل لساعات طويلة؟

ماندي أونيل: نعم. إن الساعات الطويلة ليست كلها متساوية بالتأكيد، إذ قد تقضين ساعات طويلة وأنت تؤدين الأعمال التي تحبينها، وفي المقابل، قد تمر ساعات طويلة تجعلك تشعرين بأنك لا تقومين بأي شيء في الحياة سوى العمل الذي يستنزف طاقتك كلها. وبالتالي، أعتقد أن هذا يتوقف على العمل الذي تقومين بتأديته. لا أن ساعات العمل الطويلة هي المشكلة في حد ذاتها. هذا رغم اعتقادي أنها تساهم في الشعور بالإنهاك، لا سيما إذا كان العمل الذي تؤدينه في هذه الساعات الطويلة يشغلك عن أمور أكثر أهمية بالنسبة لك، مثل الأصدقاء والأسرة والعلاقات والصحة والرياضة، أو أنه مجرد عمل لا تستمتعين بأدائه. لكن لا يمكنك إنهاء ساعات العمل هذه.

نيكول توريس: هل شعرتِ بالإنهاك من قبل؟ هل يمكنك أن تصفي لنا الأحاسيس المرتبطة بالشعور بالإنهاك؟

ماندي أونيل: لقد مررتُ بتجربة الشعور بالإنهاك بالفعل. وقد كانت هذا التجربة في الواقع أحد الأسباب التي دفعتني إلى ترك منزلي في الساحل الشرقي، واصطحاب أسرتي بأكملها إلى جامعة “كاليفورنيا” بيركلي وقت الإجازة. لقد كان ذلك بسبب شعوري بالإنهاك. بدأت أولاً في ملاحظة أعراض الإنهاك في نفسي، وقد اتضحتْ لدي الأعراض كلها بمرور الوقت، وحاولت مثل أي باحث جيد أن أشخّص هذه الأعراض، وأن أطابقها مع ما أشعر به، وتبيّن لي أنني أعاني من الإنهاك. كما أدركت أني أحتاج إلى فعل شيء ما حيال هذا.

نيكول توريس: ما هي الأعراض التي لاحظتها؟

ماندي أونيل: نعم. لقد كانت قريبة جداً من الأعراض المذكورة في البحوث التي قرأتها حول الإنهاك في بعض نواحيها، كان الأمر غريباً بعض الشيء. كنت سأتم العام الثالث عشر في عملي كأستاذة جامعية، ولدي طلاب رائعون حقاً. قمتُ بتدريس الكثير من الطلاب، وخضنا الكثير من التجارب الرائعة والقصص والمواقف الشخصية. إلا أنني وصلت إلى مرحلة أن بدأتُ في اختلاق القصص. وقد يقول البعض إنها أعذار أو مواقف شخصية، مثل “كلبي أتلف جهاز الكمبيوتر”. وصلت إلى مرحلة فقدت فيها الإحساس بالأشياء كلها. بدأت أنظر إلى طلابي، والظروف الشخصية، والعوامل المعقدة جميعها بوصفها غشاوة كبيرة، ولم أكن أشعر بشيء. بدا الأمر وكأن صمام التعاطف لديّ قد أُغلق، وبدا قلبي أسود مثل الفحم. وفكرت في أن هذا ليس جيداً، لأني لطالما كنت ذلك الشخص الدافئ والعطوف، إلا أن شيئاً ما حدث ومنعني من الإحساس بآلامهم في تلك الفترة، وبدأت أشعر أن الضغوط التي يعانون منها تزيد وتمتزج مع ضغوطاتي. شعرتُ وكأنني أعاني من تبدد الشخصية بالفعل. وكان هذا أحد أكبر الأعراض بالنسبة لي.

إيمي غالو: توجد أمور عدة تبدو جديرة بالملاحظة حول تجربتِك. الأمر الأول هو انعدام شعورك بالتعاطف مع الأفراد كما اعتدت سابقاً، ما يعني أنّ الافتقار إلى التعاطف أحد هذه الأعراض. والأمر الثاني هو إدراكك بتغير أحاسيسك. وأتساءل عن سبب ارتباط تغير الأحاسيس والافتقار إلى التعاطف مع الإنهاك.

ماندي أونيل: أعتقد أنها رؤى مثيرة للاهتمام، ولا أعتقد أنه جرى دراستها بعمق حقاً. إلا أنّ جزءاً كبيراً من إدراك شعورك بالإنهاك مرتبط بوعيك بنفسك، ومعرفتك للأمور التي تحفزك، إذا صح التعبير، فقد لا يشعر شخص آخر بالإنهاك من هذه الأسباب، لأنه يفتقر إلى التعاطف بطبيعته، وربما يكون هذا هو الوضع الدائم بالنسبة له، وقد لا يُبدي أي رد فعل عاطفي قوي تجاه عمله أو تجاه الأفراد من حوله. وبالتالي، قد يبدو الإنهاك مختلفاً قليلاً في بعض النواحي. لكن، بالنسبة إلى شخص يمتلك عاطفة جياشة ومتعاطف إلى أبعد الحدود مثلي، شعرت بأن شيئاً ما كان خاطئاً عندما مررت بوقت لم أتمكن فيه من الإحساس بتلك المشاعر.

إيمي بيرنستين: لننتقل لحظة إلى عملك مع النساء والإنهاك. لقد عملتِ مع مجموعة من خريجات ماجستير إدارة الأعمال في جامعة “بيركلي”. هل يمكنك التحدث قليلاً عن النتائج التي توصلت إليها آنذاك؟

ماندي أونيل: نعم. لقد كانت النتائج التي توصلنا إليها إحدى أكثر النتائج إثارة للاهتمام والدهشة. كان العمل مع تشارلز أوريللي في جامعة “ستانفورد”، ودراسة مجموعة من طلبة ماجستير إدارة الأعمال في جامعة “بيركلي” منذ عام 1987 فرصة رائعة حقاً. في البداية، جمعنا كل ما أمكننا جمعه من بيانات حول تلك النساء. ومن ثم أجرينا عدة بحوث امتدت فترة من الوقت. لقد كنا مهتمين حقاً بكيفية تغير حياتهن المهنية وتطورها، وكنت أنا وتشارلز مهتمان بدراسة النساء بصفة خاصة. أثناء إجرائنا لهذه البحوث، استطعنا التكهن بمن من هؤلاء النساء سيكن الأكثر نجاحاً. وحددنا معيار النجاح بناءً على عدة عوامل محددة، من حيث مقدار ما كنّ تتقاضينه والترقيات، وغير ذلك. وتمكن الكمبيوتر من إجراء بعض التوقعات حول المرأة التي ستكون الأكثر نجاحاً بناءً على ما نعرفه عنهن. ارتبطت النتائج المثيرة للاهتمام بالنساء اللاتي توقعنا نحن أنهن ستصبحن الأكثر نجاحاً في البداية، استناداً إلى أبحاثنا حول الثقافات التي كنّ عرضة للانخراط فيها، ونوع العمل الذي أدينه، وسماتهن الشخصية، وبيانات الكمبيوتر. لقد كنّ بالفعل الأكثر نجاحاً في البداية، وكن يكسبن أجوراً أكثر من غيرهن. لكن مع مواصلة إجراء البحوث عليهن لفترة من الوقت، اكتشفنا أن هذه المجموعة من النساء اللائي كنّ الأكثر نجاحاً في بدايتهن، واللائي تنبأ الكمبيوتر بأنهن سيكن الأكثر نجاحاً على مر الزمن، اشتملت على معدلات أعلى من ترك العمل. لقد كانت هذه النتائج غريبة جداً. لو أننا أوقفنا هذه الدراسة بعد بضع سنوات فقط، لقلنا إن هؤلاء النساء قد استنزفن إمكانات حياتهن المهنية إلى أقصى حد. ولكن حدث شيء ما أثناء إجراء البحوث عليهن. نعتقد أن ما حدث هو شعورهن بالاحتراق الوظيفي، لدرجة أن خيار العزلة كان أكثر جاذبية من محاولة فعل أي شيء آخر، أو حتى محاولة إعادة صياغة الدور الوظيفي. كان انسحابهن من المسار المهني واضحاً مثل الشمس.

نيكول توريس: إنه أمرٌ محزن.

إيمي بيرنستين: هل تعتقدين أن النساء يعانين من الإنهاك بشكل مختلف عن الرجال؟

ماندي أونيل: إن سؤالك مثير للاهتمام حقاً. أعتقد أن التجربة الداخلية والنفسية والعاطفية للإنهاك قد تكون متشابهة إلى حد كبير بين الرجال والنساء، إلا أنها تختلف في كيفية تعامل الأفراد معها، وهذا، لأن أحد الأمور التي نعرف أن الرجال والنساء يختلفون فيها بشكل كبير، هي كيفية تعبير كل منهما عن مشاعره. على سبيل المثال، نعلم أن المشاعر متشابهة بين الرجال والنساء، وأن إحساسهم بهذه المشاعر متساو إلى حد ما. إلا أننا نعلم أيضاً أن طريقة تعبيرهم عن هذه المشاعر مختلفة، فعلى سبيل المثال، يمكن وصف بعض المشاعر بأنها غير مناسبة للتعبير عنها بالنسبة للرجال والنساء. لهذا، أعتقد أن المرأة تمتلك ميزة إمكانية التعبير عن مجموعة أوسع من المشاعر بشكل عام، أكثر من الرجال. وبالتالي، يبدو لي أن النساء قادرات على التعبير عن الإنهاك أكثر من الرجال. لننتقل الآن إلى ما يحدث في مكان العمل عندما تُعبر المرأة عن مشاعرها. أعتقد أن مجموعة السلوكيات المقبولة ستصبح أضيق، من بعض نواحيها، في مكان العمل. ولكن المسألة الأهم هي رد فعل المرء تجاه هذه المشاعر عند إدراكها. على سبيل المثال، نحن نعلم أن الرجال يميلون إلى كبح عواطفهم أكثر من النساء. ونعرف أيضاً أن كبح المشاعر هو أحد أسوأ الطرق التي يمكن اتباعها، خصوصاً بالنسبة للمشاعر السلبية، لأنه وببساطة لن تختفي هذه المشاعر، بل ستتولد بطرق أخرى من خلال الذاكرة والعلاقات الشخصية والصحة والرفاهة. وهذا ليس جيداً على الإطلاق. ونحن نعلم أن كبح المشاعر يُسفر عن آثار ضارة على الرجال بشكل خاص، ولا سيما في المواقف المتسمة بالتوتر، وذلك استناداً إلى البحوث التاريخية حول تنظيم المشاعر، وإلى بحثي الخاص حول الرجال في المهن الذكورية التي تتسم بضغط العمل.

نيكول توريس: إذا كانت المرأة قادرة على التعبير عن مجموعة واسعة من المشاعر، فما الذي يؤدي إلى تعرض النساء للإنهاك بشكل مختلف؟

ماندي أونيل: أعتقد أن هذا مرتبط بشعور الإنهاك نفسه، إلى جانب طريقتهن في التعامل مع هذا الإنهاك. لنبدأ بشعور الإنهاك بحد ذاته، نحن نعلم أنه يُطلب من النساء القيام بالأعمال المكتبية، أو تنظيف وعاء القهوة، كما أنهن من يقدمن الدعم العاطفي للزميل الذي يمر بوقت عصيب. هذه المهمات غير المرئية كلها، تأخذها النساء على عاتقها بسبب الأعراف السائدة حول واجبات النساء في بعض الحالات، أو حتى بسبب ميول النساء الطبيعية لأداء هذه الواجبات في حالات أخرى. وبالتالي، تقوم النساء عادة بمزيد من الأعمال التي تسهم في شعورهن بالإنهاك بطريقة أكثر شمولاً من شعور الرجال به. لكن، وفي الوقت نفسه، تتاح للمرأة فرص مختلفة للتعامل مع الإنهاك، بمعنى أنه من المقبول أن تُعبر النساء عن الضعف والحزن والاكتئاب أكثر من الرجال. والأمر المثير للاهتمام هنا، هو امتلاك النساء لفرصة الحصول على مناصب تنفيذية عليا أكثر من الرجال. لكن، قد تصل بعض النساء إلى مرحلة ما تدفعهن إلى قول: لست مضطرة إلى القيام بذلك بعد الآن، لدي بدائل مقبولة تماماً، وهي تأسيس شركة صغيرة، أو العمل لدى شركة العميل، قد أتقاضى أجراً أقل، لكن ساعات العمل ستكون مناسبة. كما أمتلك خيار البقاء في المنزل مع أطفالي، وكتابة رواية. وتعتبر هذه المسارات ملائمة للنساء أكثر منها للرجال.

نيكول توريس: هذا مثير للاهتمام.

إيمي غالو: بالفعل.

إيمي بيرنستين: وأين يندرج التوتر المزمن ضمن هذه المواقف كلها؟ هل شعور التوتر مماثل لشعور الإنهاك؟ هل يؤدي التوتر إلى الشعور بالإنهاك؟

ماندي أونيل: التوتر هو مفهوم مثير للاهتمام، ونحن نعرف أيضاً الكثير عن التوتر. وأحد الأشياء المثيرة للاهتمام حول التوتر هو أن فيسيولوجية التوتر تختلف عن فيسيولوجية الإنهاك، كما أن شعور التوتر نشط جداً. سأخبركِ بما يفعله التوتر عادةً. أعاني الآن من نزلة برد، وهو أمر طبيعي، لكن عندما تشعرين بالكثير من التوتر، يبدأ جسدك عادةً في الانغلاق، أو في إعطائك تلميحات بأن الوضع لا يُحتمل، وأن عليك اتخاذ خطوة إلى الوراء. وغالباً ما يخبرك جسدك أنك تحتاجين إلى بعض النوم عند شعورك بالمرض أو التعب. وهو أمر جيد في الواقع، وهذا هو الأسلوب الذي يتبعه جسدك في أن ينصحك بحاجتك إلى تغيير شيء ما. وفي حال فشلت في تغييره، فلن يكون جسدك قادراً على تأدية مهامه على النحو الأمثل. بينما الإنهاك أكثر صعوبة بعض الشيء، إلا أنهما مرتبطان بالفعل، فالأشخاص الذين يتعرضون للتوتر غالباً ما يُعانون من الإنهاك، إلا أنهم يستمرون في عملهم حتى مع شعورهم هذا. الأمر الفريد حول الشعور بالإنهاك هو أنه لا يؤدي بالضرورة إلى أن يمكث الفرد المنهك على الأريكة، أو أن يشعر بالمرض طوال الوقت، أو أن يخبره جسده أنه بحاجة ماسة إلى اتخاذ إجراء ما، بل الإنهاك أكثر دهاءً من هذا كله. إذ يمكن للأفراد متابعة حياتهم رغم شعورهم بالإنهاك. وهذا السبب هو ما يجعل الإنهاك مزمناً.

إيمي غالو: وماذا عن الاكتئاب؟ ما هي العلاقة بين الاكتئاب والإنهاك؟

ماندي أونيل: قد يكون من السهل علاج الاكتئاب والقلق من بعض النواحي. إذ يمكنكِ قراءة النسخة الرابعة من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية وتشخيص الحالة. يمكنك قراءة الأعراض، والكثير من البحوث حول ذلك الموضوع. كما يمكنك الذهاب إلى طبيب مختص في علم النفس السريري، أو طبيب نفسي، أو أخصائي اجتماعي، وأن تصفي له الأعراض التي تنتابك. وسوف يُشخص الطبيب حالتك على الفور بناءً على الأعراض التي ذكرتها. بينما من الصعب تشخيص الإنهاك، لأن البحوث حول الإنهاك، والتي يصل عمر بعضها إلى حوالي 30 عاماً، لا تزال جديدة من المنظور العام. إلا أنه وفي الوقت نفسه، لا يمثل الإنهاك متلازمة نفسية يمكن علاجها. ولا توجد عقاقير يمكنك تناولها للعلاج.

إيمي غالو: إذاً لم تبتكري أي لقاح لعلاج الإنهاك بعد؟

ماندي أونيل: ليس بعد. بل أفضّل استخدام ترياق الحب والتعاطف الذي يساعد في الكثير من مواقف العمل، بما في ذلك الإنهاك، وهذا مجرد تعبير مجازي.

إيمي بيرنستين: هذا ما كنت أفكر فيه بالفعل. ما فهمته من قولِك هو أن وجود صديق في مكان العمل قد يفيد حقاً. هل هذا ما قصدته؟

ماندي أونيل: بالتأكيد. ولا أبالغ عندما أقول إنني أمضيت السنوات العشر الماضية من حياتي في سبيل التوصل إلى استنتاج مفاده أن وجود علاقات وثيقة تتسم بالحنان والرعاية في مكان العمل يجعل كل شيء أفضل تقريباً، بما في ذلك الإنهاك. ونحن نستخدم بالفعل مصطلحاً يُسمى الثقافة العاطفية للحب الحميمي، بمعنى أنه من المفيد وجود علاقات وثيقة مع أشخاص يعرفونك جيداً ويقدمون لك الرعاية والدعم. إلا أن هذه العلاقات ليست هي الحل لكل شيء، ولا يعني هذا أنكِ بحاجة إلى تأمين علاقة وثيقة للتوصل إلى حل. إلا أن العلاقات الوثيقة تبدو جزءاً رائعاً من ثقافة مكان العمل، والتي تساعد في حل الكثير من المشكلات، بما في فيها الإنهاك.

نيكول توريس: ماذا فعلتِ من أجل دعم نفسك؟ هل تخلصتِ من أعراض الإنهاك التي كنتِ تشعرين بها من قبل؟

ماندي أونيل: إن سؤالك مثير للاهتمام حقاً. لقد تعلمتُ من بعض الدروس التي رافقت شعوري بالإنهاك، لأن رد فعلي الأول كان إدراكي بوجود تغيّر ما، وإدراكي للأعراض، ومن ثَمّ الحاجة إلى فعل شيء حيال هذا كله. ولدينا في مجال مهنتي هذه الفرصة الرائعة التي تتمثل في الحصول على إجازة لمدة عام كامل، والتي تُمنح كل سبعة أعوام من العمل. وتمنح بعض الشركات هذه الإجازة أيضاً. لذا، أُتيحت لي فرصة أن أقول: أود قضاء إجازة لمدة سنة. وبالفعل، تمكنتُ من ترك التدريس لبضعة أشهر، والغوص بعمق في بحثي، وإعادة شحن طاقاتي، وصقل المهارات التي شعرت أني افتقرت إليها قليلاً عندما كنت غارقة في التجربة التي تسببت في شعوري بالإنهاك. توجهت إلى حرم جامعة “بيركلي” في كاليفورنيا، هناك شيء مميز بخصوص وجودي في ذلك المكان، شعرت في حرم جامعة “بيركلي” بإحساس مميز، كان الحرم رائعاً جداً، حيث نمت أشجار الكينا، والإحساس بجو من المناخ الفكري يسود حرم الجامعة. وبدأت تلك المشاعر السيئة تزول على الفور. لكنه كان درساً مهماً أيضاً، كنت أعرف أنه عندما أعود إلى التدريس وإلى المواقف التي سببت شعوري بالإنهاك، فإنه سوف يعود مجدداً. وما لفت انتباهي هو أنه لا يمكنكِ الهرب ومن ثم العودة مرة أخرى مع توقع أن يكون الأمر مختلفاً. بل عليكِ التفكير في كيفية تغيير بعض الأشياء من حولك، ومن حول الموقف بشكل فعلي، حتى لا تتعرضين إلى الإنهاك مرة أخرى بمجرد عودتك إلى العمل.

إيمي غالو: ما حدث أنكِ تركت حالة عمل سببت لك الإنهاك، وانتقلت إلى أخرى. الأمر مثير للاهتمام حقاً، إذ لم تختاري مجرد حضور درس يوغا، بل انتقلت إلى مكان آخر لمواصلة اهتماماتك حتى عند شعورك بالإنهاك، ولم تستسلمي للأمر الراهن.

ماندي أونيل: هذا أمر عظيم بشأن العمل، ونحن نمتلك فهماً أعمق بكثير حول ذلك بفضل أعمال إيمي جشنيفسكي بخصوص صياغة الدور الوظيفي، بمعنى وجود جوانب مختلفة من العمل في أي وظيفة. وليس الأمر أن كل جانب من جوانب الوظيفة سيدفعك حقاً إلى الشعور بالإنهاك. لذا، أعتقد أن ما حصل معي مثال جيد حول كيفية صياغة أدوارنا الوظيفية قليلاً. إذ يجب علينا التركيز على الجانب الآخر من الوظيفة، والذي لم يتلق القدر نفسه من الاهتمام. لا تزال مهماتنا ضمن نطاق عملنا، إلا أنها ليست المهمات نفسها التي تُسبب لنا قدراً كبيراً من تبدد الشخصية، مثل اللامبالاة التي تنتابنا عند شعورنا بالإنهاك. وأعتقد أن وظيفتي كأستاذة جامعية فريدة بعض الشيء، لأني أستطيع الانتقال بين التدريس وإجراء البحوث. وأظن أنه من الممكن فعل هذا في العديد من الوظائف أيضاً، إذ قد يكون سبب شعورك بالإنهاك هو عميل يدفعك إلى حافة الانهيار، بينما يمكنك تفويض هذا العميل إلى زميلك. أو قد يمكنك تغيير تركيز عملك، أو حتى تغيير أوقات العمل خلال اليوم. كما تعلمون، هناك ما يُسمى متلازمة البريد الإلكتروني، إذ يصارع معه الكثير من الأفراد. كما توجد الكثير من الأفكار حول كيفية التعامل مع رسائل البريد الإلكتروني، إلى جانب الكثير من الحلول حول كيفية التخفيف من الإحساس بعدم القدرة على الرد على الرسائل.

إيمي بيرنستين: كيف يمكنك تجنب شعورك بالإنهاك؟ لأنني لم أدرك في تجربتي الخاصة مع الإنهاك أنني أعاني منه إلا بعد أن أصبحت منهكة بشدة. كيف يمكنني تجنب الوصول إلى هذه المرحلة من الإنهاك؟ كيف يمكنني تجنب هذا المسار تماماً؟

ماندي أونيل: قد يبدو ما سأقوله سخيفاً، إلا أنه مؤخراً اكتشفنا أهمية النوم في مكان العمل. أعتقد أن النوم هو أحد الحلول، والذي يدعو إليه الباحثون منذ عقود. إلا أننا لم ندرك أهمية الحصول على ليلة نوم جيدة في تحسين أدائنا في مكان العمل إلا مؤخراً. إذ قد يسفر النوم عن قدرة لإقامة علاقات شخصية جيدة، ويتيح لنا إنجاز أعمالنا وأدائها على نحو أمثل. وهذا هو أحد الحلول. الحل الثاني هو تناول القهوة مع زميل في وقت مبكر. إذ قد يحدث أحياناً ما نُطلق عليه مجازاً “تأثير الأسماك في الماء”، أي أنكِ تسبحين في الماء دون أن تدركي أنك داخله. وقد يحتاج الأمر منك نظرة واحدة فقط إلى خارج الحوض لتدركي أن المياه قذرة حقاً. لذا، أعتقد أنه من المفيد أن يكون لديك ما يُسميه بعض الأشخاص “مجلس المستشارين الشخصيين”. وقد يكون هذا المستشار الشخصي زميلك في العمل، وقد يكون صديقك المقرب، وقد يكون شريكك، أو أسرتك، وهم الذين يقدمون لكِ المشورة من خلال تجاربهم، فيقولون: أرى أنكِ تسيرين في هذا الطريق، وأظن أنك لا تدركين أنك تبدين كالسمكة في المياه مرة أخرى. والتعبير المجازي الآخر، والمضحك أيضاً هو تعبير البطة، هل أنا على حق؟ إذا قد تظهرين من الخارج وكأنك في أحسن حال، إلا أنك تقومين بالتجديف تحت الماء، تماماً مثل البطة. كما أعتقد أنه من المهم أن يكون الأفراد قادرين على رؤية ما يجول داخلك إذ لم تتمكني أنت نفسك من رؤيته، وأن يقدموا لك التوجيه عند شعورك بالإنهاك مجدداً.

إيمي بيرنستين: أظن أنني لن أتمكن من الخروج من حوض السمك هذا.

ماندي أونيل: أفهمك تماماً يا إيمي، وأعرف حوض السمك الذي نسبح فيه.

إيمي غالو: ومقدار قذارته.

نيكول توريس: لنتحدث الآن عن المستوى الفردي، ما الخطوات التي تتبعينها لتجنب الشعور بالإرهاق العاطفي؟ بصرف النظر عن النوم، هل تقومين بالبحث عن مجموعة من الأشخاص الذين تثقين بهم، والذين يستطيعون تجديد شبابك؟ هل هناك أي شيء آخر تقومين به؟

ماندي أونيل: أتبع في الواقع خطوات صغيرة وأخرى كبيرة. إحدى الخطوات الصغيرة، التي وجدت أنها الأكثر إلحاحاً في الآونة الأخيرة، هي فكرة القهقهة. ربما يبدو الأمر سخيفاً بعض الشيء، إلا أنني قرأت في الواقع بعض البحوث التي أجراها باحث في علم الأوبئة، والذي اعتمد مقياسه لمدى جودة أداء الأفراد على آخر مرة ضحكوا فيها بصوت عال.

نيكول توريس: هل أنت جادة؟

ماندي أونيل: نعم، ولم يكن الجمهور من هذا النوع من الأفراد الذين يضحكون بصوت عال تماماً، وإنما كانوا يضحكون ضحكات مكتومة. وأدركت فيما بعد مدى عبقرية هذه الفكرة، لأن القهقهة في مكان العمل تُعتبر مؤشراً لكثير من الأشياء، بما في ذلك القدرة على التعامل مع بعض جوانب العمل غير السارة التي تسهم في إصابتك بالإنهاك وتبدد الشخصية. وتعني قدرتك على الضحك حيال هذه الأمور أنك تمتلكين نمط الاستجابة الفسيولوجي والعاطفي الذي يُعد أحد أفضل أشكال العلاج وأرخصها. توجد خطوة أخرى مثيرة للاهتمام ضمن الخطوات الصغيرة، وتنطوي أيضاً على قدر لا بأس به من دعم البحوث، ألا وهي الامتنان. نحن نتعلم الكثير عن هذا في مكان العمل، بما يشمل أهمية الامتنان بوصفه مجرد شكل من أشكال تنظيم العاطفة. على سبيل المثال، يمكنكِ إجبار نفسك على إعادة صياغة موقف ما جعلك تشعرين بالغضب الشديد وأن تقولي مثلاً “أنا ممتنة جداً لهؤلاء الطلاب، لأن حقيقة أنهم فضوليون للغاية، وأنهم مهتمون جداً بالحصول على هذه الدرجة، قد أتاح لي القيام بالعمل الذي أحب. وأنا أشعر بالامتنان الشديد لذلك”. قد يكون الطلاب محبِطين بالفعل، لكن إعادة صياغة بعض تلك المشاعر السلبية إلى ما يشبه الامتنان، يساعد بشكل كبير في تجنب الإرهاق العاطفي، على عكس قمع هذه المشاعر والذي يُسفر عن الكثير من المخاطر. بالتالي، فإن كبح العواطف عند تأججها بغرض أن تختفي من تلقاء نفسها وسيلة غير ناجحة. في حين أعتقد أن إعادة الصياغة وتجنب بعض المواقف مفيد أكثر، وقد يشمل ذلك الزملاء السامّين. لم نتحدث كثيراً عن الجانب الآخر من الزملاء، إذ لا يُعتبر الزملاء دائماً أفضل مصدر للدعم أو المرح. بل هم في الواقع مزعجون جداً ومحبِطون، فليس العملاء هم من يسببون لك التوتر عادة، وإنما يفعل زملاؤك في العمل. كيف نتعامل مع هؤلاء الأفراد إذاً؟ تتمثل إحدى الاستراتيجيات في تجنب مواجهتهم، مثل إبعاد طاولة المكتب إلى حيّز أبعد قليلاً، أو إذا كانت مؤسستك تُحفز الأفراد على العمل من المنزل بسبب ضيق الحيز المكتبي، فقد يمثل ذلك فرصة مثالية يمكنك استغلالها بهدف تقليل المواجهة مع الشخص الذي يساهم في شعورك بالإنهاك، حتى لو كنت شخصاً منفتحاً مثلي.

إيمي غالو: كيف تعرفين أنكِ تخلصت من شعورك بالإنهاك بعد اتباع هذه الخطوات، وتجنب الزملاء المزعجين، والحصول على قدر كاف من النوم، وتعزيز شعورك بالامتنان، والقهقهة؟ كيف يمكنك معرفة أنك قد تغلبت على شعور الإنهاك؟

ماندي أونيل: كان السبيل إلى معرفة ذلك بالنسبة لي هو أن أشعر بالتعاطف مجدداً. إذ بدأت أشعر بالعواطف التي أعرف أنني أتسم بها عندما لا أكون أشعر بالإنهاك، وعندما تكون الأمور بأفضل حال، وعندما يتحقق التوازن في مكان العمل. لهذا، أعتقد أن البدء في الشعور بتلك العواطف والتعرف على نفسك مجدداً ورؤية الأعراض تنخفض هي دلائل على تغلبك على الإنهاك، هذا بغض النظر عن ماهية تلك الأعراض والتي سبق أن أدركتِ أنها من أعراض الإنهاك، سواء كنتِ مريضة، أو تمرّين بأحد الأيام التي لا يسعك فيها النهوض من الفراش والتوجه إلى العمل، أو صراخك على أطفالك وزوجك. وعندما تبدأ هذه الأعراض في الاختفاء، يظهر الجانب الآخر من الإنهاك، ألا وهو المشاركة، والتي تتمثّل في الانخراط في عملك مرة أخرى، والشعور بالحماس للذهاب إلى العمل ورؤية الزملاء والغوص في المشاريع، بما فيها من مشاريع صعبة، وكم هائل من رسائل البريد الإلكتروني أو ملفات القضايا، أو أي وسيلة تُخفف من أعراض الإنهاك وتزيد من المشاركة.

إيمي بيرنستين: عندما بدأتِ مشوار التعافي من الإنهاك والعودة إلى المشاركة من جديد، كيف أمكنك التأكد من عدم إصابتك بالإنهاك مرة أخرى؟ كيف يمكنك التأكد من قدرتك على إحكام قبضتك على زمام الأمور؟

ماندي أونيل: أعتقد أنه، في مرحلة ما، يتعين على كل شخص أن يقوم ببعض التأمل الذي ينطوي على تحديد الأولويات، وما يرغب في القيام به مقابل المال، والوقت الذي يخصصه لذلك. هناك أدلة كافية على أن المال ليس مهماً حقاً عندما يصل المرء إلى نقطة معينة. وتختلف هذه النقطة المعينة اعتماداً على البلد الذي نقطن فيه، لكن المال لن يجلب لك السعادة بالضرورة. والشيء الآخر الذي يجب التفكير فيه هو مقدار قيمتك. لقد أجرينا بالفعل دراسة مثيرة للاهتمام، ونشرناها حديثاً بمشاركة كين ماتو وسو لي، إذ ارتكز بحثنا على هؤلاء الأشخاص الذين وصفوا مشرفيهم بالسامّين والمسيئين، وكانوا يعملون ضمن ثقافات يمكن وصفها بأنها تتبع أسلوب الفوز أو الموت.

إيمي بيرنستين: أوه.

ماندي أونيل: لقد كان الوضع صعباً للغاية. وما وجدناه هو أن هذه المجموعة من العمال قد أبلغت أيضاً عن أعلى مستويات المشاركة. لقد شعرنا بالصدمة! كنا نظن أن مستوى المشاركة لديهم سيكون في أدنى درجاته. أعني أن وجود مدير سام هو أمر سيئ بما فيه الكفاية، ناهيك عن ثقافة مسمومة بكاملها. لكنهم أبلغوا عن أعلى مستويات المشاركة. ثم بحثنا في البيانات أكثر وأدركنا حب بعض الأشخاص لعملهم، واهتمامهم الكبير به، وإدراكهم معناه وهدفه، وشعورهم بالمشاركة إلى درجة أنهم كانوا على استعداد لتحمل الكثير، بما في ذلك بعض ظروف العمل المجهدة للغاية. لكن هذا لا ينطبق على الأشخاص الآخرين الذين يرفضون العمل في هذا النوع من البيئات السامة، إذ لا يكون مقدار الأموال التي يتقاضونها مهماً، ولا يعنيهم مدى استمتاعهم بالعمل، إنهم فقط يرفضون أن يكونوا ضمن هذه البيئة السامة.

وأذكر العبارة المجازية التي نصحتني بها جين داتون، في ميتشغان، إحدى المرات، إذ قالت “اتبعي نجمة الشمال”. وأنا أحب هذه العبارة المجازية لعدة أسباب. أحدها هو أن نجمة الشمال ليست بشيء يمكنكِ العثور عليه غداً أو الأسبوع المقبل، أو خلال 10 أعوام حتى. بل هي هدفك الذي تسعين نحوه تدريجياً، وعلى الدوام، وعن قصد. وأعتقد أن الأفراد يُهملون في بعض الأحيان التفكير في نجمة الشمال، بسبب انشغالهم بقوائم المهام التي لا نهاية لها، وقوائم أعمالهم، والطلبات التنافسية. إلا أنه من المهم التراجع خطوة إلى الوراء، وإدراك أنكِ تسعين بالفعل نحو نجمة الشمال في سبيل تحقيق حُلمك في شراء منزل على سبيل المثال، وتدخرين فعلاً لشرائه. أو في خوض تجربة ما، تمكّنك من الاعتماد على نفسك واكتساب مصداقية، أو تحقيق رغبتك في مساعدتك الآخرين، مع حاجتك إلى الدعم المالي أو إلى جهات داعمة لتحقيق مسعاك. لهذا، أعتقد أنه من المهم حقاً السعي نحو نجمة الشمال. لكن، إن لم يكن ما تفعلينه يتحرك في اتجاه نجمك الشمالي، فمن المهم أن تنظري نظرة ثاقبة إلى نفسك وأن تقولي: هل يجب عليّ الاستمرار في فعل هذا؟ هل مواصلة القيام به أمر جيد لصحتي ورفاهتي وعلاقاتي؟

إيمي غالو: أريد أن أسأل يا ماندي عن حديثك مع مديرك عندما كنت تشعرين بالإنهاك. أستطيع أن أتخيل فائدة هذا الحديث من ناحية، لكن يمكنني أيضاً تخيل مدى صعوبته. ما مدى شيوع أن يخبر الأفراد مدراءهم بشعورهم بالإنهاك؟

ماندي أونيل: الأمر يتوقف على عدة أمور. إنه يعتمد حقاً على نوع العلاقة مع المدير. لذا، إن كان لديك مدير يُوصف بأنه مدير سام أو نرجسي أو باعتباره شخص يمتص دمك بهدف تحقيق زيادة مبيعات الشركة، فقد لا يكون هذا المدير هو الشخص الذي ترغبين في التحدث إليه. من ناحية أخرى، إذا كنت تعملين في شركة تمتاز ثقافتها بالثقة والسلامة النفسية والعلاقات القوية الوثيقة، فأعتقد أنه من المهم جداً طرح الموضوع على المدير الذي قد لا يكون داعماً فحسب، بل من الممكن أن يكون هو الآخر منهكاً، وهو ما يؤدي إلى تعزيز العلاقة بينكما.

إيمي بيرنستين: حسناً يا ماندي، سأعرض عليك موقفاً صعباً بعض الشيء. لنفترض أنني مديرة، وبدا أن أحد مرؤوسي المباشرين يشعر بالإنهاك، ويُظهر في الواقع أعراض الشعور بالإنهاك. كيف يمكنني طرح الموضوع عليه؟ هل أتطرق إلى هذا الموضوع من الأساس؟

ماندي أونيل: سؤالك مثير للاهتمام حقاً، لأن البحوث في مجال السلطة تُشير إلى أنه كلما واجهتِ الآثار النفسية للسلطة التي تمتلكينها عندما تصبحين مديرة، فسوف تولين اهتماماً أقل للأمور، فضلاً عن أنك سوف تفقدين اهتمامك بالكثير من الأشياء. لهذا، من المهم للمدير أن يتخلى عن الشك والافتراض، لأن لكلماته وقعاً على نفوس الموظفين. وأعتقد أن الطريق الأكثر أماناً هو أن تكوني صادقة وحقيقية، وأن تقولي شيئاً مثل: كيف حالك؟ وكثيراً ما يندهش الأشخاص من أن مجرد لفتة حقيقية بسيطة من الاهتمام قد تعني الكثير لهم، كما تمنحهم حرية التحدث، إذ لا يتعين عليكِ في الواقع ابتداع أي تخمينات حول ما يشعرون به أو يفكرون فيه. فقط يمكنك أن تطلبي منهم أن يتحدثوا عن تجاربهم بطريقة تُشعرهم بالأمان النفسي.

إيمي بيرنستين: أعتقد أنها نصيحة جيدة على الكثير من الأصعدة.

ماندي أونيل: نعم. لكن تخيلي إذا لم يكن هؤلاء الأفراد يشعرون بأي إنهاك على الإطلاق، بل كانوا مجرد أشخاص انطوائيين لا يُعبرون عن مكنوناتهم بسهولة، وتقومين أنت بتفسير سلوكهم الخارجي دون أي فكرة عن مشاعرهم الداخلية. قد يكون هذا مؤلماً حقاً.

نيكول توريس: وماذا لو كنت أنت المديرة وتشعرين بالإنهاك؟ هل يجب أن تتغير طريقة تعبيرك عن الإنهاك أو التحدث عن مشاعرك لأنك مديرة؟

ماندي أونيل: أن تكوني مديرة يعني أن تكوني محط أنظار الجميع، وهذه واحدة من المزايا الفريدة للمناصب الإدارية، وعادة ما تكون المشاعر التي تُعبرين عنها معدية أكثر من تلك التي يُعبر عنها القرناء لبعضهم، إذ من المحتمل أن يلاحظ الأفراد مشاعرك على نحو أكثر بكثير مما تعتقدين. ولكن من ناحية أخرى، توجد مجموعة من النتائج المثيرة للاهتمام بشأن فوائد مساعدة الآخرين. إذا كنت تشعرين بالإنهاك، فهناك بحث رائع حقاً، أجراه جميل زكي وآخرون، حول أن اللطف مع الآخرين والتعاطف معهم يساعدك فعلياً. يُعتبر آدم غرانت رائداً حقيقياً في هذا المجال، وكذلك في مجال فوائد مساعدة الآخرين. وبالتالي، رغم شعورك بالإنهاك، فإن مساعدة الآخرين المصابين بالإنهاك قد تجعلك تشعرين بتحسن، إضافة إلى تحسين شعورهم هم. يردد أحد زملائي عبارة أحبها، إذ يُسمي هذا “حلقة ردود الفعل المتبادلة”. ما يعني قيامك بمساعدة الأفراد رغم شعورك بالإنهاك. وهو ما يساعدك ويساعدهم على تخطي الشعور بالإنهاك معاً. والأمر أشبه بدوامة إيجابية تصاعدية، كتلك التي نحب أن نراها في العمل.

إيمي بيرنستين: حسناً، لقد كان حديثاً ممتعاً جداً يا ماندي. شكراً جزيلاً لك على الرؤى الثاقبة التي قدمتها لنا.

ماندي أونيل: شكراً لكم، لقد كانت حلقة ممتعة بالفعل.

إيمي بيرنستين: لقد ذكرت يا إيمي أنك كنت خائفة قليلاً عندما بدأنا هذا الحوار. لقد كنت خائفة من معرفة أنك مصابة بالإنهاك. هل أنت مصابة بالإنهاك؟

إيمي غالو: أعتقد أنني كذلك. أعني، أنا لست بحاجة إلى إعادة التفكير في مسيرتي المهنية بأكملها، لكنني صرخت على ابنتي هذا الصباح. وأعتقد أنني متعبة، وأعمل كثيراً، وأحتاج إلى معرفة كيف آخذ بعض الخطوات التي ذكرتْها ماندي، مثل إعادة صياغة الموقف والشعور بالامتنان، وإعادة صياغة الدور الوظيفي، حتى أتمكن من التركيز على الأشياء التي أهتم بها حقاً وتشعرني بقيمة نفسي، وحتى أتمكن من المزاح مع ابنتي ذات الـ11 عاماً عند عدم تلبيتها لندائي بسرعة كما أرغب، بدلاً من الصراخ عليها.

نيكول توريس: ما لفت انتباهي بالفعل هو ما قالته حول إدراكها لتغير أحاسيسها عندما وقعت تحت الشعور بالإنهاك، وأعتقد أنني سريعة الغضب، وليس لدي الوقت الكافي لمساعدة زملائي، ولم أعتد أن أتصف بهذه الطباع. وكوني قادرة على إدراك هذا قد يكون مفيداً بهدف علاجه، لهذا أعترف أنني أشعر بالإنهاك. وأنا بحاجة إلى فعل شيء ما حيال ذلك. ربما ينبغي أن أتبنى نهجاً استباقياً، وأن أعمل على تجنب بعض ما يحدث في حياتي.

إيمي غالو: لقد شعرت بالصدمة أنا أيضاً من حديثها حول مناوبة العمل المسائية والتركيز. إذ أظن أن هذه هي الأيام التي تُشعرني بالاحتراق الوظيفي. لنفترض أننا نحضر اجتماعاً يمتد إلى وقت متأخر قليلاً، وهذا يعني أنني لن أكون قادرة على اصطحاب ابنتي من المدرسة. ولا يمكنني أن أبدو أثناء الاجتماع بمظهر اللامبالي، خصوصاً كلما مرّ الوقت، بل لا بد لي من التواصل مع شخص ما لاصطحابها من المدرسة. ولا بد لي من التواصل مع زوجي للتأكد من استيعابه للموضوع. أعني أن هناك أموراً كثيرة يجب علينا التعامل معها إلى جانب العمل.

إيمي بيرنستين: وهذا كله يعتمد على خروجك من باب الشركة في تمام الساعة 04:52.

إيمي غالو: بالضبط. وإذا لم أخرج في ذلك الوقت، سيتطلب الأمر حوالي 15 رسالة نصية أثناء وجودي في المصعد، ولن أعود قادرة على الاستماع إلى ما يحدث حقاً في الاجتماع. لهذا كله أعتقد أن تعدد المهام بالنسبة لي هو أحد أكبر أسباب شعوري بالإنهاك.

نيكول توريس: هل من الممكن أن يكون شعورك بالإنهاك ناجم عن أحد الأسباب التي تحدثنا عنها مثل عدم شعورك بالتقدير أو الاهتمام.

إيمي بيرنستين: أوه، هذا سؤال صعب جداً. لا يمكنك أن تسألي شخصاً ما عن رأيه فيك اعتماداً على مقياس مكون من 10 نقاط.

إيمي غالو: من فضلك أخبريني هل أنا جيدة؟ هل هذا صحيح؟

إيمي بيرنستين: الأمر صعب جداً. كيف تتعاملين مع ذلك؟

إيمي غالو: لدي خدعة سرية، ومن المحرج حقاً الاعتراف بذلك الآن.

إيمي بيرنستين: أخبرينا رجاءً، لن نخبر أحداً.

إيمي غالو: أقوم بالتحقق من إحصاءات بعض مقالاتي الأكثر شعبية، وألقي نظرة على الأرقام، وهذا ما يجعلني أشعر بتحسن كبير. لكنه أمر محزن بعض الشيء.

إيمي بيرنستين: أعتقد أن هذا يُدعى إثبات الذات.

نيكول توريس: الأمر أشبه بشعلة إيجابية.

إيمي غالو: ولكن بصراحة، أُلقي نظرة على هذه الأرقام عندما أشعر بالحزن حقاً.

إيمي بيرنستين: ولكن ماذا تفعلين لو لم يكن لديك هذه الإحصاءات والمقالات؟ ماذا تفعلين يا إيمي؟

إيمي غالو: لا بد من أن تجدي أي شيء يجعلك تشعرين بقيمة نفسك. لدي صديقة تحفظ أي بريد إلكتروني يتضمن إطراءً في مجلد خاص، تقرأه عندما تواجه يوماً سيئاً، وترسل لي في بعض الأحيان مقتطفات منها وتقول: لقد قرأت هذه الرسالة للتو، وقد جعلتني أشعر بتحسن.

إيمي بيرنستين: أعتقد أنها صديقة مقربة جداً.

إيمي غالو: نعم هذا صحيح.

إيمي بيرنستين: ولكني أحب فكرة وجود مجلد بمثابة مرجع نعود إليه عندما نواجه يوماً سيئاً.

إيمي غالو: نعم، أو مثل مجلد المجاملات فقط، إذ نتلقى جميعنا المديح عبر البريد الإلكتروني في الأوقات كلها. وأعتقد أن فكرة الاحتفاظ بها أمر جيد. سألتزم القيام بذلك من الآن فصاعداً، إنها فكرة جيدة حقاً.

إيمي بيرنستين: بالفعل! إنها فكرة عظيمة.

نيكول توريس: لقد أحببتها. وهذا يمثل دعوة أيضاً للحصول على المزيد من الرسائل من مستمعينا.

إيمي بيرنستين: بالفعل، أنا أحب تلك الرسائل.

نيكول توريس: وأنا أعتبرها بمثابة جرعة تعزيز معنوي كبيرة.

إيمي بيرنستين: ألا تجعلك هذه الرسائل تشعرين بقيمتك؟

نيكول توريس: بالتأكيد.

إيمي غالو: نعم.

إيمي بيرنستين: نعم، إذاً لا بد لك من الاحتفاظ بها.

نيكول توريس: هل نستطيع التحدث عما يمكننا قوله للمدير في حال كنا نشعر بالإنهاك؟

إيمي غالو: حسناً. سأحرص بالتأكيد على عدم استخدام كلمة “منهكة” أولاً. والحقيقة أني أشعر بالقلق إزاء استخدام هذه الكلمة، إذ أعتقد أنها تنطوي على الكثير من الدلالات السلبية حول أنني غير قادرة على التعامل مع الأمور أو تنفيذ مهماتي. عندما تحدثت إلى المدراء في الماضي كنت أقوم بمجرد التلميح إلى شعوري بالإنهاك فقط. كنت أقول “هل يمكننا الحديث عن حجم العمل الذي أقوم به؟ أشعر بالإرهاق قليلاً من تأدية هذه المهمة”. هل أنا على حق؟ لم أقم بتوسيع المشكلة حرصاً على ألا تُفهم باعتبارها شعوراً عاماً، ولكن حاولت أن أكون محددة. فضلاً عن محاولة إبداع حلول في ذهني.

نيكول توريس: أعتقد أن ما استوقفني عند التفكير في التحدث عن الإنهاك هو أن الأفراد متعاونون للغاية، ولاحظتُ أن المدراء قد يرغبون في المساعدة ويحاولون بذل قصارى جهدهم، بهدف التخفيف من عبء العمل، أو تقديم الدعم والوقت الذي تحتاجينه. لكنّ خوفي الأكبر هو أن تضر هذه الغريزة، والتي تدفعني إلى حماية نفسي، بمسيرتي المهنية بشكل أو بآخر، إذ تنطوي الحلول على إقصاء ما يسبب لي الإنهاك. وما نفكر فيه عادة هو أننا بحاجة إلى أن نقوم بالكثير من المهمات بهدف إظهار أننا موظفون جيدون، وأن نحافظ على أداء عال، وأن نتطور مهنياً. وهذا هو ما أعاني منه حقاً.

إيمي بيرنستين: ولكن إن لم تطلبي الحماية والمساعدة في تحديد الأولويات أو وضع جدول زمني لنفسك حتى تتمكني من إيلاء كل مهمة قدرها المناسب من الاهتمام، فهذه مشكلة مختلفة. أنت لا تطلبين التخلي عن كامل عملك، ولا تطلبين قيام أحد ما بمهامك بدلاً عنك، وإنما تطلبين المساعدة في معرفة كيفية القيام بعملك بشكل جيد.

نيكول توريس: أوه.

إيمي غالو: أنا أتفهم مصدر قلقك تماماً، لأن الخوف قد يكون مرتبطاً بحصول الشركة على مهمة تنفيذ مشروع كبير ومهم، وأن يقول مديرك “قد لا تكون نيكول مؤهلة لهذا المشروع، إذ كانت تعاني من مشكلة معينة أثناء تنفيذ مشروع مماثل من قبل”.

نيكول توريس: نعم!

إيمي غالو: هل أنا على حق؟ ولا أعلم كيفية تجنب هذا الوضع بالضبط. وهذا يفسّر جزءاً من سبب عدم استخدامي لكلمة “الإنهاك” على الإطلاق، إذ لا أريد أن يُنظر إليّ نظرة شخص لا يمكنه التعامل مع الأمور.

إيمي بيرنستين: هذا مثير للاهتمام حقاً. لقد كنت أعتقد أن المدير سيكّن الكثير من الاحترام للأشخاص الذين يطلبون المساعدة من أجل إنجاز أعمالهم بشكل جيد. إذ إن هؤلاء هم الأفراد الذين يُبدون قدراً من الالتزام بالعمل، وهم الذين لا يملكون الحكم الذاتي أو التجربة لإدارة هذه الأشياء بأنفسهم. وهذا هو سبب عرضنا لهذا البرنامج. نحن هنا بهدف مساعدة الأفراد على التفوق. هل أنا على حق؟

إيمي غالو: لا أعتقد أن الكثير من مستمعينا لديهم مدير جيد بقدرك يا إيمي. لهذا، أعتقد أن علينا التفكير في كيفية طرح هذه القضية بأسلوب يناسب مديراً قد يقلل من شأنك. كيف يمكنك طرح مشكلتك بطريقة إيجابية تُمكنك من الحصول على الدعم أو المساعدة التي تحتاجين إليها؟

إيمي بيرنستين: رائع.

إيمي غالو: أعتقد أن الحل يكمن في جعلها مؤقتة، مثل “أعاني هذه الفترة من أ وب وج، وأعتقد أنني سأقوم بتأدية مهامي على نحو أمثل عند إقصاء هذه المهمات”، وبالتالي، قد يكون من المفيد تركيز المشكلة”.

إيمي بيرنستين: أو “أحتاج إلى أسبوع واحد إضافي لوضع اللمسات الأخيرة على هذا التقرير، بمعنى محاولة التحكم بزمام الأمور”. وفي حال قال مديرك إنه يحتاج إلى التقرير يوم الثلاثاء، عندها تبدأ المساومة “حسناً، يمكنني إنهاء التقرير يوم الثلاثاء، ولكن أحتاج إلى أسبوع إضافي آخر لإنهاء مهمات أخرى أعمل عليها”.

إيمي غالو: نعم. هل قصَدك الأفراد يا إيمي بصفتك مديرة وعبروا عن شعورهم بالإنهاك؟

إيمي بيرنستين: نعم لقد قصدني أفراد منهكون بالفعل. لست متأكدة من إعرابهم عن شعورهم بالإنهاك بشكل صريح. كنت أصغي حقاً إلى مشورة ماندي حول كيفية التعامل مع ذلك، لأن هذا صعب بعض الشيء. وتعاملت مع ذلك بأن طلبت منهم التخلي عن المهمات التي تسبب لهم الإزعاج. وعادة ما يكون ذلك مرتبطاً بحجم العمل، إذ يوجد ما يُشعرهم بعدم التقدير في مكان العمل، وأمور أخرى تحدث في المنزل.

إيمي غالو: أنت محقة، فعادة ما يكون الإنهاك مرتبط بمزيج من الأسباب.

إيمي بيرنستين: نعم، وهذا ما يسبب شعور الإرهاق للأفراد، وجميعنا نُصاب بالإرهاق فعلاً. وبالتالي، لا يجب أن يدور الحديث عن سبب فقدانك للسيطرة في مكان العمل، وإنما حول كيفية جعل العمل ممتعاً مرة أخرى. لا أريد أن يقصدني الأفراد للتحدث عن شعورهم بالتعاسة، وسأفعل ما بوسعي لأمنحهم بريق الأمل مجدداً بصفتي مديرة.

إيمي غالو: معكِ حق. ومن بين الأمور الأخرى التي تمنعني من الاعتراف بالإنهاك هو افتراضي أن أصدقائي وزملائي ومديري يشعرون بالإنهاك أيضاً. وأشعر أن اضطرارهم للتعامل مع شعوري بالإنهاك يُمثل عبئاً إضافياً عليهم.

إيمي بيرنستين: لكنك لا تقولين عند الاعتراف بشعورك بالإنهاك “هذه مشكلتي، أرجو أن تجد لي حلاً”! بل تقولين “أظن أننا نعاني من المشكلة ذاتها، دعنا نساعد بعضنا البعض”.

إيمي غالو: هذه نقطة جيدة. يمكنك القيام بذلك بطريقة تتسم بالتعاطف والدعم، أو السعي للحصول على الدعم دون أن تجعلي من ذلك مشكلة الشخص الآخر.

إيمي بيرنستين: نعم. من المريح حقاً أن تدركي أنكِ لست الوحيدة التي تعانين من الإنهاك.

نيكول توريس: نعم.

إيمي غالو: هذا صحيح.

نيكول توريس: انتهت حلقتنا لهذا اليوم، أنا نيكول توريس.

إيمي غالو: وأنا إيمي غالو.

إيمي بيرنستين: وأنا ايمي بيرنستين. نشكر منتجة الحلقة أماندا كيرسي. ونشكر أيضاً آدم باكولتز، مدير الإنتاج السمعي. كما نتقدم بالشكر إلى مورين هوك، لإشرافها على التحرير. وروب إيكارت، الذي قدم لنا الدعم التقني. ونشكر إيريكا تراكسلر، على إعدادها دليل المناقشة التي نجريها في برنامجنا. والمدقق اللغوي جي إم أوليجارز. ونشكر جيني رولنز، لمساعدتها في إنتاج هذه الحلقة. لقد ابتكرنا برنامج “ومين أت وورك” ليكون برنامجاً صوتياً مؤلفاً من ست حلقات، ولكن لا يزال هذا البرنامج يجمعنا بفضل حماسكم وتشجيعكم.

نيكول توريس: وأفضل طريقة يمكنكم بها مساعدتنا في استمرار هذا البرنامج هي الاشتراك في موقع هارفارد بزنس ريفيو.

إيمي غالو: إن اشتراككم في موقع هارفارد بزنس ريفيو لا يدعم هذا البرنامج فقط، بل يمكّنكم أيضاً من الوصول غير المحدود إلى أرشيف هارفارد بزنس ريفيو ومكتبة رائعة من المخططات والجداول وشرائح العرض، فضلاً عن قوائم القراءة المختارة من محررين أمثالنا تماماً.

نيكول توريس: شكراً مرة أخرى لاستماعكم.

المصادر:
يمكنكم مراسلتنا عبر البريد الإلكتروني: [email protected].
الموسيقى في هذه الحلقة هي مقطوعة “سيتي إن موشن” (City In Motion) من تأليف مات هيل، التي تقدمها شبكة أوديو نتوورك (Audio Network).

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .