تعرف على الأنواع العديدة من الاستثمار المؤثر

5 دقائق
أنواع الاستثمار المؤثر
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يتفق الجميع على أن الاستثمار المؤثر في تزايد. وحسب الشبكة العالمية للاستثمار المؤثر، فإن سوق رأس المال المؤثر الذي كان يقدر بـ 60 مليار دولار، يمكن أن ينمو خلال العقد القادم ليصل إلى تريليوني دولار أو أن يصل إلى 1% من أصول الاستثمار العالمي. لكن على الرغم من هذا النمو المهم إلا أن الاستثمار المؤثر لا يزال يواجه عائقاً يحد من تدفق رؤوس أموال جديدة في هذا المجال يتمثل في عدم الإجماع على المعنى الحقيقي لمفهوم “الاستثمار المؤثر”.

ويمكن أن يعني التأثير حالياً أي شيء بداية من الاستثمار المغامر (الاستثمار الجريء) في تقنيات الطب الجديدة إلى القروض الصغرى في البيرو؛ ومن الاستثمار في السكن الاقتصادي في الولايات المتحدة إلى الطاقات المتجددة في الهند؛ ومن روابط التأثير الاجتماعي إلى الاستثمار في صناديق الأسهم الخاصة التي تخلق فرص العمل. هذه فقط مقدمة الغموض الذي يشوب هذا المفهوم، فحتى إذا قبلت ضرورة تجميع هذه الاستثمارات المتنوعة ضمن فئة واحدة، فكيف يمكنك أن تقيس وتقارن مسألة التأثير؟

وقد اختار جل المستثمرين في مواجهة هذا الغموض أحد الخيارات الثلاثة التالية. أولاً، يبحثون عن أمثلة للتأثير بين المحافظ الاستثمارية الموجودة لديهم، مستقطبين رؤوس أموال متزايدة لهذا المجال. ثانياً، يستثمرون قدراً قليلاً من الميزانية بدافع التجربة ولمهمة محددة وهو الأمر الذي يمكنهم من الاحتفاظ بمبالغ ضخمة من رأس المال. ثم ثالثاً، الخيار الأكثر شيوعاً، وهو البقاء على هامش الاستثمار المؤثر. لكن لا أحد من هذه الخيارات يعتبر نتيجة مثالية.

ويحتاج مجال الاستثمار لنفض الغبار عن كل أنواع الاستثمار المؤثر إلى مساعدة المستثمرين في تحديد ثلاثة مبادئ موجهة لاستثماراتهم: ما هو نوع التأثير الذي يريدونه؟ ما مدى عمق واتساع التأثير الذي يعتزمون إحداثه وما مستوى المخاطر التي سيقبلونها؟

اقرأ أيضاً: دور الحوكمة في جذب المستثمرين.

نوع التأثير

قد يكون لكل مستثمر تصوره الخاص عن الفوائد الاجتماعية التي يحاول تحقيقها. ويمكن أن يكون لكل مستثمر نطاق اهتمام جغرافي معين: فيهتمون أكثر بالاقتصادات المتقدمة أو النامية، أو يركزون على بلد بعينه أو مجموعة بشرية بعينها. ومن المتوقع أن تكون لهم أيضاً نظرة عن مجال الاستثمار: الرعاية الطبية، إصلاح النظام التعليمي، الشمول المالي، التغير المناخي وهكذا دواليك. كما قد يرغب المستثمر في تمويل اختراع حلول جديدة أو ربما يسعى ببساطة إلى تحسين ممارسات الشركات القائمة. لا يوجد صنف تأثير أفضل من الأخرى، فما يهم هو تحديد تفضيلات المستثمر. ونعتقد أن البداية الجيدة هي التي تنطلق من تقييم تفضيلات المستثمرين عبر خمس فئات:

المكان ونقصد بهذه الفئة الاستثمارات في الشركات أو المشاريع المستقرة في مكان معين (أو التي تفيد مجموعة بشرية محددة).

على سبيل المثال خلق فندق هوكستون الواقع في أحد أفقر أحياء لندن، أوجد حوالي 40 وظيفة من وظائف مستوى المبتدئين مع تخصيص 73% من الأجور لأولئك الذين يعيشون في أحياء محدودي الدخل. ويمكن أن نقدم مثالاً آخر هو مبادرة مؤسسة “كالفيرت” المعروفة بـ “مبادرة استثمار النساء لفائدة النساء” التي تسمح للمستثمرين بمنح قروض للنساء في الأسواق النامية للوصول إلى الطاقة النظيفة.

العملية: تشمل هذه الفئة الاستثمارات التي تولي اهتماماً لممارسات الأعمال مثل “التجارة العادلة” لمنتج القهوة، والممارسات المنصفة للعمل في سلاسل التوريد، أو نماذج التجارة على شاكلة “بع منتجاً وتبرع بمنتج” التي تتيح للمحتاجين الوصول إلى المنتجات والخدمات.

ويقدم صندوق “تريودوس للتجارة المستدامة” على سبيل المثال التمويل للمزارعين الذين تعتبر ممارساتهم الزراعية أكثر استدامة في في أماكن مثل الأراضي الفلسطينية وتايلاند وجمهورية الدومينيكان، ويتفادون استعمال الأسمدة التقليدية ذات الكيماويات الكثيفة في بيئة تتميز بهشاشتها. ولنأخذ أيضا كمثل شركة “واربي باركر” التي توزع زوجين من النظارات الطبية في البلدان النامية كلما باعت زوجين من النظارات التي تسوقها.

البيئة: تتعلق هذه الفئة بالاستثمارات التي لها فائدة بيئة محددة وواضحة، سواء في الحفاظ على المناطق الطبيعية الهشة وإحيائها، أو في التخفيض الواضح لغاز ثاني أوكسيد الكربون بواسطة وسائل طاقية جديدة وفعالة.

وتعتبر شركة “ليم تامبر” مؤسسة لإدارة استثمارات خاصة في غابات الأخشاب تعمل على إدارة الأراضي باستدامة وتوحد معايير الحفاظ على الغابات في الولايات المتحدة وكندا. وتقدم مؤسسة “برايت باور” عمليات تدقيق شاملة للكفاءة الطاقية وتوفر خدمات تحسين الطاقة في التدفئة والإضاءة للعديد من مستأجري الشقق الاقتصادية في حاضرة منطقة نيويورك.

المنتج: وتهم هذه الفئة الاستثمارات في المنتجات والخدمات التي لها انعكاسات اجتماعية إيجابية.

تقدم مؤسسة “سبرينغبورد إيديوكيشن” برامج دعم تعليم ما بعد المدرسي لثلاثة آلاف طالب في 50 مدرسة عمومية وتشاركية في 11 ولاية في الولايات المتحدة. وأخذت شركة “زيكيتزا هيلث كير ليمتد” شبكة متنوعة من شركات سيارات الإسعاف المحلية في الهند وأسست شركة وطنية للخدمات الطبية الطارئة بمعايير عالمية.

النماذج: وهي الاستثمارات التي تحاول تغيير نظام كامل نحو الأفضل.

تعتزم مؤسسة “ريفولوشن فودز” تغيير نظام تغذية الأطفال في الولايات المتحدة بتوفير الوجبات الصحية المغذية في المدارس الحكومية والأهلية. وتسعى الاستثمارات الخاصة لمؤسسة “غيتس” في شركتي “زيوميكس” (Zyomyx) و”ألير” (Alere) إلى تغيير كلفة اختبارات نقاط الرعاية السريرية وتسهيل الوصول إليها في الأسواق الناشئة.

كثافة التأثير وفوريته

بعد أن يحدد المستثمر نوع التأثير الذي يبحث عنه، يتعين في المرحلة الثانية فهم كثافة ونطاق التأثير المرغوب فيه، والفئة المستهدفة بهذا التأثير وكذا إطاره الزمني. فقد يفضل بعض المستثمرين دعم الاستراتيجيات التي تحدث تغييراً مهماً على المدى البعيد، مثل الوقاية الصحية الأساسية بالنسبة للسكان الذين يعيشون في عزلة بعيداً عن الخدمات الأساسية، كما تفعل مؤسسة “لورا هيلث” المتخصصة في تقديم الرعاية الصحية الأولية. وقد يبحث مستثمرون آخرون عن تغييرات متزايدة أقل من السابقة تشمل فئة واسعة من المستفيدين بتأثير سريع ملحوظ، مثل إدماج تقنية تعليمية جديدة كبرنامج “كينفولفد” الذي يحسن مواظبة التلاميذ وحضورهم في المدارس الحكومية. ويمكن للعمق والشمول والأفق الزمني للتأثير أن يساعد في المزيد من الإرشاد نحو المجال الذي يمكن أن يوظف فيه المستثمرون أموالهم.

لمحة عن مخاطر التأثير 

لا تظهر بالموازاة مع كل نوع من أنواع الاستثمار المؤثر مخاطر مالية فقط بل قد تطفو على السطح مخاطر التأثير التي يلخصها السؤال التالي: هل سيتحقق الـتأثير المنشود؟ ويجب على المستثمرين التساؤل عن الأدلة الواقعية التي يحتاجونها قبل أن يستثمروا، أو أن يسألوا عن المعايير التي يتوقعون رؤيتها بعد الاستثمار وتُظهر التقدم المنجز. على سبيل المثال هناك “أدلة منطقية” تثبت أن تقديم الوجبات الغذائية الصحية في المدارس يمكن أن يحد من ظاهرة سمنة الأطفال في الولايات المتحدة، بينما يدور نقاش حول مدى مساهمة الوصول إلى دورات المياه في الأحياء الفقيرة للأسواق الناشئة في تخفيض حوادث الإصابة بحالات الإسهال، وهو الأمر الذي يجعل شركة مثل “سانيرجي” (Sanergy) تمثل استثماراً عالي المخاطر من منظور أفق التأثير.

ويمكن للمستثمرين من خلال تحديد مجال الاستثمار وكثافة التأثير المرغوب فيه وأخذ لمحة عن المخاطر، الشروع في تحديد “أصناف الأصول المؤثرة” ثم البحث في محافظهم الاستثمارية صنفاً بعد صنف لإيجاد فرص التأثير التي تتناسب مع مخاطرتهم المالية وأهدافهم الربحية. ويستطيع مدراء الأصول في النهاية تطوير نموذج بأصناف من الأصول المالية من جهة (السيولة، الدخل الثابت، أسهم خاصة، وغير ذلك) وأصناف أخرى من التأثير (المكان، العمليات، البيئة، وغير ذلك) من جهة أخرى.

ويستطيع رئيس مؤسسة يتمتع بميل قوي للمخاطرة ويهتم بتغيير النظام التعليمي على سبيل المثال أن يستعمل هذه المصفوفة لإيجاد استثمار في أسهم صندوق ينشئ مشاريع «نموذجية» في مجال التعليم. كما يمكن لكبير موظفي المعلومات المسؤول عن خطة التقاعد في مستشفى كبير أن يستعمل المصفوفة لتحديد الصندوق الذي يقرض الشركات المحلية (فئة “المكان”) لكي يقدم خدماته للمستشفى في احترام تام للممارسات الاقتصادية المسؤولة اجتماعياً وبتأثيرات متتالية على بيئة العمل في المستشفى كلها، بدءاً من الاستدامة والتغذية المقدمة للمرضى إلى الممارسات البيئية في خدمات الغسيل المعهودة لجهات خارج المستشفى.

لكن تحديد التأثيرات الواضحة المفضلة لدى المستثمرين وكيفية ملاءمتها مع محافظهم الاستثمارية لن يكون وحده كافياً في بيئة العمل هذه لضمان النجاح. وسيحتاج المستشارون ومدراء الصناديق والشركات الأساسية إلى إيجاد طرق للحفاظ على وفاء المستثمر لنية التأثير. لقد اتضح اليوم أنه لا شيء يمكن أن يجبر أي طرف على الاستجابة لأهداف التأثير لدى مستثمر ما بما يتجاوز الحد الأدنى، في ظل غياب المعايير الدالة على التأثير الاجتماعي وحوافز تنفيذها. لا نقصد من وراء هذا أن كل أنواع الاستثمار المؤثر يجب أن تحقق التأثير الموعود، فكل الاستثمارات تنطوي على خطر تحقيق مردود ضعيف. لكن في غياب آلية لتحقيق التوافق بين مختلف الجهات الفاعلة في سلسلة قيم التأثير المرتبطة بتوقعات المستثمر يصبح هذا المجال مهدداً بتأثير من نوعية “السباق نحو القاع” حيث تبذل الصناديق أو الشركات ما أمكنها للامتثال لأهداف المستثمر. ويستدعي الأمر مفهوماً شبيها بـ “واجب الأمانة المهنية” يمكنك تسميته “الوفاء للتأثير” للربط بين مختلف الجهات الفاعلة ومحاولة تحقيق التأثيرات المفضلة التي يبديها المستثمر.

وبينما تكسب أنواع الاستثمار المؤثر المختلفة جاذبية بين عموم المستثمرين، فإن هذا المجال يحتاج إلى تطوير أدوات يمكنها أن تساعد مهنيي الاستثمار في تصنيف وفهم التركيبات الاستثمارية المحتملة واللامحدودة وكذا في تعديل خيارات وأنواع الاستثمار المؤثر. إن طرح بعض الأسئلة المباشرة والتفكير في أصناف من التأثير الواضحة المعالم -المقرونة بمفهوم الوفاء للتأثير- يجب أن يُخرج المزيد من المستثمرين من الهوامش ويدخلهم إلى لعبة الاستثمار المؤثر بانعكاساته الهائلة على التقدم البشري.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .