كيف تصمّم أنظمة تراعي المستخدمين من الفئات الأضعف؟

5 دقائق
أساليب الترغيب
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: يوجد فجوات هائلة بين الأميركيين ذوي المستوى الاجتماعي والاقتصادي الجيد وذوي المستوى الاجتماعي والاقتصادي المنخفض فيما يتعلق بمدخرات التقاعد، والحصول على لقاح “كوفيد-19” والعديد من الأنشطة الأخرى. وقد تقلل أساليب الترغيب (Nudges) من مثل تلك الفجوات في حال جرى استخدامها بشكل جيد، ذلك لأنها تؤثر عادة على الأفراد ذوي المستوى الاجتماعي والاقتصادي المنخفض، وجاء ذلك بحسب عدة بحوث نُشرت مؤخراً. كما أن أساليب الترغيب غير مكلفة وتنطوي على قيمة كبيرة مقارنة بالتقنيات الأخرى التي تستخدمها الشركات للحد من أوجه عدم المساواة، مثل تقديم التعليم المالي أو التخفيضات للفقراء. وبالتالي، تُعتبر أساليب الترغيب صفقة رابحة للمدراء والموظفين على حد سواء.

أصبح ملايين الأشخاص في جميع أنحاء الولايات المتحدة يستحقون الحصول على لقاح “كوفيد-19” اليوم. ومع ذلك، غالباً ما تكون عملية التسجيل للحصول على اللقاح معقدة دون داع. على سبيل المثال، تضمنت بوابة التسجيل في موقع إدارة الصحة في مدينة نيويورك ما يصل إلى 51 سؤالاً وطلباً لتحميل بطاقة التأمين الصحي بعد مسحها بشكل ضوئي. نتيجة لذلك، واجه العديد من الأشخاص صعوبة أو فشلوا في تحديد موعد عندما كانوا مؤهلين للحصول على اللقاح في المرة الأولى، ولاسيما كبار السن والفقراء والأفراد الأقل إلماماً بالتكنولوجيا الرقمية. لكن لا ينبغي أن تسير الأمور على هذا النحو، بل يمكن استخدام أساليب الترغيب لتبسيط عملية التسجيل وتسهيلها بحيث تتطلب بضع نقرات فقط، أو حتى جعل عملية التطعيم آلية، وذلك من خلال تحديد مواعيد الجرعات الثانية بشكل تلقائي وإبلاغ الأفراد أنه قد جرى تخصيص جرعات من اللقاح لهم بشكل آلي، وهو ما قد يزيد من احتمالية حصولهم عليه.

ويُظهر بحثنا الأخير أن أساليب الترغيب التي تجعل عملية اتخاذ القرارات بسيطة أو آلية تقلل من الحواجز التي تساهم في تعزيز أوجه عدم المساواة بشكل كبير. في الواقع، أسفرت أساليب الترغيب عن تقليل أوجه التفاوت الاجتماعية والاقتصادية في كل نوع من أنواع القرارات التي أجرينا دراسة عليها، بما في ذلك القرارات الصحية المرتبطة “بكوفيد-19” ومشتريات التجزئة والقرارات المالية.

لنأخذ مدخرات التقاعد كمثال على ذلك. يتزايد عدد الشركات التي تسجل الموظفين بشكل آلي في خطط التقاعد لمساعدتهم في ادخار مزيد من الأموال لمرحلة التقاعد. قد تعتقد أن الموظفين ذوي الدخل المنخفض سيختارون الانسحاب بدلاً من المساهمة بنسبة 6% من دخلهم في خطط التقاعد لأنهم قد يحتاجون إلى رواتبهم لتلبية احتياجاتهم الأساسية. لكن بياناتنا تشير إلى العكس تماماً، إذ من المرجح أن يختار الموظفون ذوو الوضع الاجتماعي والاقتصادي السيئ المشاركة في خطط التقاعد بشكل تلقائي تماماً كالموظفين ذوي الوضع الاجتماعي والاقتصادي الجيد. عندما حوّلت 34 شركة في الولايات المتحدة خطط تقاعد الموظفين إلى التسجيل الآلي، تضاعفت مدخرات التقاعد بين الموظفين ذوي الدخل المنخفض، في حين لم تتأثر مدخرات ورفاهة الموظفين ذوي الدخل المرتفع نسبياً. من جهة أخرى، يتمتع الموظفون ذوو الدخل المرتفع بحرية تغيير الخيار التلقائي إذا لم يكن مناسباً لهم والادخار لمرحلة التقاعد، سواء جرى تسجيلهم بشكل آلي من قبل أصحاب العمل أم لا.

مسار لتقليل الفوارق الاجتماعية والاقتصادية

ويمكن للشركات التي تحدد نسب مساهمات التقاعد التلقائية المناسبة للموظفين ذوي الوضع الاجتماعي والاقتصادي السيئ أن تساعد أولئك الموظفين وأن تقلل من فجوات مدخرات التقاعد. أجرينا اختبارات على أدوات أخرى لتبسيط القرارات المالية والقرارات المتعلقة بالبيع بالتجزئة والقرارات الصحية، وهو ما ساعدنا في التخلص من الخيارات السيئة أو فرزها من الأفضل إلى الأسوأ، وتمكنا في النهاية من تقليل الفوارق الاجتماعية والاقتصادية من خلال تقديم المساعدة للأفراد ضمن الفئات الأضعف. كما منحت تلك النتائج الشركات وواضعي السياسات مساراً واضحاً لتقليل الفوارق الاجتماعية والاقتصادية.

تخلص من العوائق

غالباً ما يواجه الموظفون قرارات معقدة للغاية نتيجة وجود كثير من الخيارات أو أعباء العمل الورقية أو المصطلحات التي يصعب فهمها، تماماً كعملية التسجيل المعقدة للحصول على اللقاح. وغالباً ما تُلحق تلك الأعباء، أو العوائق، الضرر بالأشخاص ضمن الفئات الأضعف وذوي المستوى الاجتماعي والاقتصادي السيئ. يمكن للشركات في كثير من الحالات تقليل تلك الأعباء أو التخلص منها، أو على الأقل توفير أدوات لمساعدة موظفيها في اتخاذ قرارات جيدة. على سبيل المثال، قدمت بعض الشركات أدوات لمساعدة الموظفين في تحديد خطط الرعاية الصحية الأفضل لهم (كشركة “بِك ويل” (Picwell)). بالنسبة لقرارات التقاعد، يمكن لأصحاب العمل توفير أدوات مماثلة تساعد الموظفين في تصور الفوائد طويلة الأجل لادخار أموال أكثر لمرحلة التقاعد ووضع مزيد من استثماراتهم في الأسهم مقارنة بالسندات أو الحسابات النقدية أو حسابات التوفير.

اجعل العمليات آلية

يمكن للشركات وواضعي السياسات استخدام الخيارات التلقائية لجعل السلوكيات المفيدة عملية سهلة وآلية. على سبيل المثال، أرسلت منصة “أمازون” وأصحاب العمل الآخرون خلال الموجة الأولى من جائحة “كوفيد-19” ماسكات مجانية لجميع الموظفين بشكل تلقائي. بالإضافة إلى ذلك، درس الكونغرس إمكانية جعل عملية تحصيل المبالغ المكتسبة من ضريبة الدخل عملية آلية لجمع الأموال اللازمة للمواطنين المستحقين. وبالمثل، يمكن إرسال نماذج المساعدة المالية للكليات (استمارة المعونة الطلابية الفيدرالية المجانية) بإجابات مملوءة مسبقاً، ويمكن للكليات إخطار الطلاب المستحقين للحصول على المساعدة المالية المضمونة بشكل آلي (إشعار آلي انطوى على فوائد كبيرة بين الطلاب المستحقين ذوي الدخل المنخفض عند تنفيذه في جامعة ميشيغان). وقد تكون تلك التغييرات مفيدة للغاية، خاصة بالنسبة للفقراء والفئات الأضعف.

فكّر في الموظفين من الفئات الأضعف عند وضع الخيارات التلقائية

نظراً لأن الخيارات التلقائية تؤثر على الأفراد ضمن الفئات الأضعف وفقاً للبحث الذي أجريناه، من المهم وضع خيارات تلقائية تفيد أولئك الموظفين. بمعنى أنه إذا كان أحد الخيارات التلقائية أفضل للأفراد الأثرياء وذوي الخبرة، في حين كان الخيار الآخر أفضل للأفراد ضمن الفئة الأضعف، فلا ينبغي وضع الخيار الأول كخيار تلقائي. انطوت إحدى عمليات الترغيب حسنة النية للترويج للكهرباء الخضراء (ولكن باهظة الثمن) على تأثيرات سلبية على قرارات الفقراء ورفاههم أكثر من غيرهم، ذلك لأنهم آثروا اختيار الخيار التلقائي وكانوا أقل قدرة على تحمل تكاليف الطاقة الخضراء باهظة الثمن. وتتمثّل إحدى السياسات الجيدة في مثل تلك الحالات في استخدام الخيارات التلقائية الذكية التي تحدد خيارات مختلفة مسبقاً لأشخاص مختلفين في محاولة لتحقيق النفع للجميع. لكن من الضروري إعطاء الأولوية لاحتياجات الموظفين من الفئات الأضعف عند تعذر ممارسة تلك الخطوة، لأنهم عادة ما يفضّلون الخيارات التلقائية.

تخلّ عن الخيارات التي يعتبرها جميع الموظفين سيئة

تضمنت الأداة الفاعلة الأخرى لتقليل أوجه عدم المساواة وتحسين القرارات في بحثنا التخلي عن الخيارات التي تُعتبر جودتها أدنى من جودة الخيارات الأخرى، والتي تسمى بالخيارات المهيمنة. عادت إزالة تلك الخيارات المهيمنة بالنفع على الأشخاص ذوي المستوى الاجتماعي والاقتصادي السيئ أكثر من غيرهم، تماماً مثل أساليب الترغيب الأخرى. في الواقع، تُعتبر الخيارات المهيمنة شائعة بشكل مدهش في خطط الرعاية الصحية وخيارات خطة التقاعد 401 (k) التي تقدمها الشركات للموظفين. فعند اختيار إحدى خطط الرعاية الصحية في إحدى الشركات الأميركية الكبيرة، اختار أكثر من نصف الموظفين الخيارات المهيمنة، والتي كانت أكثر تكلفة بالنسبة لهم بغض النظر عن مقدار الإنفاق على الرعاية الصحية في ذلك العام (دون فوائد إضافية). كان من المرجح أن يختار الأشخاص ذوو الدخل المنخفض خطة مهيمنة، وهو ما قد يكلفهم أكثر من 300 دولار سنوياً من الأموال التي هم في أمس الحاجة إليها. ووفقاً لبحثنا، استفاد الأشخاص ذوو المستوى الاجتماعي والاقتصادي السيئ من إزالة تلك الخيارات الأقل جودة نظراً لقلة احتمال امتلاكهم المعرفة الحسابية والصحية والمالية اللازمة لتحديد ماهية الخيارات الأكثر فائدة. وتمتلك العديد من الشركات بالفعل القدرة على التخلص من الخيارات المهيمنة، مثل خيارات خطط الرعاية الصحية الأقل جودة أو خيارات مخصصات التقاعد الأدنى جودة وذات الرسوم الأعلى (والمحافظ الاستثمارية المكافئة). وسيكون إجراء تلك التغييرات مفيداً للطرفين، ذلك لأنها ستحسن الرفاهة بشكل عام وتقلل أيضاً من أوجه عدم المساواة من خلال مساعدة الفئات الأكثر ضعفاً.

سيكون إجراء تلك التغييرات الأربعة فاعلاً ورخيصاً، فأساليب الترغيب غير مكلفة وتنطوي على قيمة كبيرة مقارنة بالتقنيات الأخرى التي تستخدمها الشركات للحد من أوجه عدم المساواة، مثل تقديم التعليم المالي أو التخفيضات للفقراء. وبالتالي، تُعتبر أساليب الترغيب صفقة رابحة للمدراء والموظفين على حد سواء.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .