كيف نجعل أساليب الإدارة الرشيقة مناسبة لأهم الوظائف التنفيذية؟

6 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تحاول العديد من الشركات إجراء تحول جذري- وسريع في كثير من الأحيان- من الهياكل الهرمية إلى بيئات أكثر رشاقة، من أجل العمل بالسرعة التي تتطلبها السوق التنافسية في الوقت الحاضر. تعهدت شركات مثل “أيه إن زد” (ANZ)، العملاق المصرفي الذي يتخذ من أستراليا مقراً له، بالتزامات صريحة لتبني مبادئ رشيقة، في حين أصبحت شركات أخرى مثل “زابوس” (Zappos) -متجر الملابس والأحذية الإلكتروني- على حافة التحول التنظيمي. وتوجد العديد من نقاط التوقف على طول التسلسل من النظام الهرمي إلى نظام الإدارة الذاتية (الهولاكراسي). وللتحول بنجاح إلى مؤسسة أكثر رشاقة، يجب أن تتخذ الشركات قرارات واعية بشأن كيف تصبح رشيقة، وفي أي المجالات. يجب على الشركات أن تقرر أين تعتمد على مبادئ وعقليات رشيقة، وأين يجب استخدام المنهجيات الرشيقة في حل المشكلات لمواجهة التحديات الاستراتيجية والتنظيمية، وأين يمكن نشر النموذج الرشيق الكامل بشكل رسمي أكثر، بما في ذلك الفرق ذاتية الإدارة.

وفي شركة “باين آند كومباني” (Bain & Company)، لا نعتقد أنه ينبغي للشركات أن تحاول استخدام الأساليب الرشيقة في كل المجالات. ففي العديد من المجالات الوظيفية، مثل صيانة المصنع، أو المشتريات، أو مكالمات المبيعات، أو المحاسبة، من المرجح أن توفر الهياكل والعمليات التقليدية تكلفة أقل، ونتائج أكثر تكراراً، ومؤسسات أكثر قابلية للتوسع. ويتطلب فحص كل وظيفة وكل جزء من النموذج التشغيلي لشركتك لتحديد أي من مبادئ الرشاقة التي يمكن تطبيقها فيه بعض التفكير العميق. ويعني أيضاً أن عليك تحديد كيفية جعل الأجزاء الرشيقة والتقليدية في منظمتك تعمل بكفاءة معاً، وهذا يستغرق وقتاً.

ومع ذلك، هناك خطوة أولى لا ندم عليها متاحة لقادة المنظمات التي تشهد تحولاً معقداً من نظام تقليدي إلى نظام رشيق، وهي أن تصبح المؤسسة رشيقة من القمة. تفعل فرق الإدارة العليا التي تتبنى مبادئ الرشاقة بضعة أشياء بشكل مختلف. واستناداً إلى خبرتنا في العمل مع هذه الفرق، نوصي فرق الإدارة العليا بعمل ما يلي إذا أرادت أن تصبح أكثر رشاقة:

تعامل مع أولويات مؤسستك وكأنها مهمات متراكمة مدارة: على مستوى المؤسسة، فكر في جميع مبادرات شركتك باعتبارها مهمات متراكمة، مثلما ينظر مطورو البرمجيات إلى ميزات المنتج المستقبلية كمهمات متراكمة. انظر إلى فريق الإدارة لديك مثل منهجية “سكرم” التعاونية الرشيقة، التي تمنح الأولوية للمهمات المتراكمة حسب الأهمية، ثم تعالجها بالتسلسل حتى اكتمالها. أعِد ترتيب الأولويات في الأعمال المتراكمة بمؤسستك عند إضافة مبادرات جديدة. هذا يساعد في الحفاظ على التركيز والسرعة مع وقف انتشار المبادرة. بدأت شركة “سيستماتيك إنك” (Systematic Inc) -وهي شركة تطوير برمجيات أميركية يبلغ عدد موظفيها 525 موظفاً- تطبيق المنهجيات الرشيقة عام 2005. ومع تطبيق هذه المنهجيات في جميع فرق تطوير البرمجيات بالشركة، قلق مايكل هولم -الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس للشركة- من أن فريق القيادة الخاص به يعيق التقدم. ولذلك في عام 2010، قرر هولم إدارة مجموعته التنفيذية المكونة من 9 أعضاء كفريق رشيق. بدأت المجموعة من خلال الاجتماع كل يوم اثنين لمدة ساعة أو ساعتين، ولكنه وجد أن وتيرة صنع القرار بطيئة للغاية. ولذلك بدأت المجموعة في عقد اجتماعات قصيرة يومياً لمدة 20 دقيقة في الساعة 8:40 صباحاً لمناقشة ما أنجزه الأعضاء في اليوم السابق، وما سينجزونه خلال اليوم، والمساعدة التي يحتاجونها.

تحتاج الفرق التنفيذية الراغبة في تنفيذ هذه الممارسة إلى التركيز على عدد أقل من الأمور، والانتقال من عملية التخطيط المستندة إلى التقويم إلى التخطيط المستمر القائم على المشكلات. عندما كان الراحل ستيف جوبز يدير شركته “آبل”، كانت إحدى أعظم نقاط قوته هي تركيز شركته على أهم أولوياتها. وكما وثق الكاتب الأميركي والتر إيزاكسون قائلاً: “بعدما صحح الأمور في شركته، بدأ جوبز اصطحاب أهم 100 من كبار موظفيه إلى رحلة خاصة بالعمل. وفي اليوم الأخير، كان يقف أمام سبورة بيضاء ويسأل قائلاً “ما هي الأشياء العشرة التي يجب أن نفعلها بعد ذلك؟” كان هؤلاء الأشخاص يتصارعون لإدراج اقتراحاتهم في القائمة. كان جوبز يدون اقتراحات موظفيه، ثم يشطب على الاقتراحات السيئة في نظره. وبعد الكثير من المداولات، كانت المجموعة تتوصل إلى قائمة من عشرة أشياء، ثم يشطب جوبز على آخر سبعة، ويعلن قائلاً: “يمكننا فعل ثلاثة أشياء فقط”.

ولا يقتصر التغيير على الفرق التنفيذية فقط. إذ يجب استكمال دورة التخطيط الاستراتيجي السنوية التقليدية بتخطيط فعلي وقائم على المشكلات، حتى يمكن تخصيص الموارد بشكل أكثر ديناميكية. لا يمكن وضع الاستراتيجية، وإجراءات المنافسين، والاستجابات بدقة داخل تقويم ثابت. بدأت شركات، مثل شركة “تكسترون” (Textron) الأميركية لأنظمة الدفاع، وشركة “كاردينال هيلث” (CardinalHealth) الأميركية لخدمات الرعاية الصحية، تتجه نحو عملية تخطيط أكثر استمرارية منذ سنوات بعدما شعرت بالإحباط من وتيرة صنع القرار. يضمن التخطيط المستمر توجيه الموارد نحو الأولويات الأكثر أهمية وبعيداً عن المبادرات الأقل أهمية. كذلك تتطلب الطبيعة الديناميكية للمبادرات الرشيقة أن يبتكر المدراء التنفيذيون أساليب جديدة للحفاظ على توافق كل شيء، والظهور على مستوى المؤسسة، على سبيل المثال، من خلال لوحات المعلومات التي يمكن الوصول إليها على نطاق واسع، والتي تربط المقاييس في جميع أنحاء الشركة، وتربط مقاييس الفرق الفردية بمقاييس جماعية على مستوى الشركة.

أنشئ فرقاً صغيرة غنية بالمواهب تعمل خارج التسلسل الهرمي للتعامل مع أهم أولوياتك: تُمنح هذه الفرق الإذن لاستخدام الأساليب والعمليات الرشيقة، وللعمل خارج العمليات التقليدية البطيئة والمستنزفة للطاقة والهياكل الهرمية لعملية صنع القرار. طبقت العديد من الشركات الرائدة، مثل “إير بي إن بي” (Airbnb)، و”سبوتيفاي” (Spotify)، و”جوجل”، و”أمازون”، و”مايكروسوفت”، الأساليب الرشيقة كطريقة لإدارة الابتكار وتطوير المنتجات. وتُعد الفرق ذاتية الإدارة ذات التسلسل الهرمي والبيروقراطية المحدودة ميزات واضحة لهذه النماذج التنظيمية.

تملك شركة “إي بي إنبيف” (AB InBev) البلجيكية، فريقاً تنفيذياً يعمل بطريقة أكثر رشاقة، رغم أن أعضاء هذا الفريق لم يدرسوا منهجية “سكرم” التعاونية قبل اعتماد طريقة العمل تلك، إنها متأصلة في أسلوب قيادتهم وثقافتهم. يشترك الرئيس التنفيذي للشركة وفريقه القيادي في طاولة اجتماعات واحدة، ويجري التعامل مع المشكلات بسرعة وعبر الوظائف في بيئة أقل رسمية وأقل بيروقراطية. هذا يعني أنه لا يجب على أحد طلب عقد اجتماع خاص، ولا يجب التعامل مع المشكلات من خلال أقسام وظيفية مختلفة ثم إعادة دمجها مع الإدارة العليا. يعزز هذا النوع من الإدارة سرعة اتخاذ القرارات.

حدد الفترة الزمنية التي يجب إنجاز عملك فيها واحرص على الاستفادة إلى أقصى حد من أساليب الاختبار والتعلم: إن العمل من خلال جزئيات أصغر من الوقت الذي يتم فيه التركيز على العمل -من أسبوع إلى أربعة أسابيع عادةً- يسرع أيضاً عملية صنع القرار واستفادة المؤسسة بشكل عام. وهو نافع عندما تتحول من عملية التخطيط المستندة إلى التقويم إلى عملية التخطيط المستمر. يسمح استخدام أساليب الاختبار والتعلم مع كل من العملاء وأصحاب المصلحة للشركات اتخاذ الحد الأدنى من الحلول القابلة للتطبيق وتكرارها بسرعة، والابتعاد عن الحلول الأضعف من أجل الحلول الأفضل. يخلق هذا الاختبار السريع الذي يركز على الافتراضات في الوقت الفعلي ردود فعل بناءة مبكرة للفريق، ويسرع عملية تطوير الحلول.

وأفضل من يوضح هذا التركيز المكثف على السرعة هو شركة “أمازون”، التي تطبق هذه المفاهيم عملياً كل يوم. تستخدم “أمازون” التقارير المدروسة جيداً للمساعدة بشكل واسع في تركيز فريق الإدارة على القرارات المهمة. في بداية الاجتماع، يُمنح أفراد الشركة الوقت لقراءة التقارير في صمت قبل إجراء مناقشة واسعة لميزات القرارات المقترحة. ولا يتم التعامل مع جميع القرارات بالتساوي. فعلى حد تعبير الرئيس التنفيذي للشركة، جيف بيزوس: “تُعد العديد من القرارات متقلبة وذات جانبين، ويمكنها أن تستخدم عملية بسيطة لتنفيذها. فبالنسبة لهذه القرارات، ماذا لو كنت مخطئاً بشأنها؟”.

ويتمثل أحد العناصر المهمة في سرعة اتخاذ القرار وتحديد وقت إنجاز العمل في الحصول على الكمية المناسبة من المعلومات والأدلة قبل اتخاذ الخطوة. لقد رأينا العديد من الشركات الأضعف حيث كانت أكبر خطيئة يمكن أن يرتكبها المدير هي عدم القدرة على الإجابة عن كل سؤال طرحه الفريق التنفيذي، حتى لو كانت الإجابات عن هذه الأسئلة لن تغير القرار. ووفقاً لبيزوس: “ربما يجب اتخاذ معظم القرارات باستخدام نحو 70% من المعلومات التي ترغب في الحصول عليها. إذا انتظرت للحصول على 90% من هذه المعلومات، فستكون بطيئاً في أغلب الحالات. بالإضافة إلى ذلك، وفي كلتا الحالتين، ينبغي أن تكون قادراً على تحديد القرارات الخاطئة وتصحيحها بسرعة. إذا كنت جيداً في تصحيح المسار، فقد يكون ارتكابك أي خطأ أقل تكلفة مما تعتقد، بينما سيكون البطء مكلفاً بالتأكيد”.

وعلى الرغم من رؤيتنا للقليل من فرق القيادة التي تبنت كل هذه الأفكار بشكل متساوٍ في أهم الوظائف التنفيذية، فإن اعتماد الشركات على هذه الممارسات يتزايد. يتطلب تبني هذا التغيير ونشره من خلال طبقات متعاقبة في المنظمة تغييراً في أساليب الإدارة، من أسلوب القيادة والسيطرة، إلى النماذج التي تعتمد على الثقة. بالنسبة للقادة، هذا يعني تعلم التخلي الجزئي عن السيطرة، والاعتماد على فرقهم لتوفير الإجابات الصحيحة. أتقنت شركات مثل “سبوتيفاي” -مع مبدأها المتمثل في “اقتران فضفاض ومحاذاة محكمة”- و”جوجل” -بنطاقاتها الواسعة من السيطرة- هذه المفاهيم. لن تحدث هذه التغيرات السلوكية دون بذل جهد مشترك، لكننا نعتقد أن أساليب القيادة الجديدة في متناول جميع المدراء التنفيذيين الموهوبين وذوي العقليات المنفتحة.

توقف لحظة مع فريقك للقيادة للمواجهة: تبدأ الرشاقة وسرعة صنع القرار الناتجة عنها من قمة الإدارة. سترى فرق الإدارة العليا التي تدير بأسلوب رشيق وتتخذ قرارات سريعة محاكاة هذه السلوكيات في المستويات الأدنى من المنظمة. ويُعد الفشل في فعل ذلك هو أضمن طريقة لتقصير عمر شركتك وجعل الجميع، بمن فيهم أنت، بائساً في أثناء هذه العملية. ولكن إذا طوَّرت قادة يتمتعون بالعقلية الصحيحة والنهج الرشيق في الإدارة، يمكنك الحصول على القيمة القصوى من استخدام شركتك لمواردها الشحيحة: الوقت، والمواهب، وطاقة قوتك العاملة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .