ملخص: يعلم الجميع أهمية التعارف عند البحث عن عمل، لكن الكثيرين يعجزون عن الاستمرار في التواصل مع الأشخاص الذين التقوهم وطلبوا النصح منهم، ويمثل ذلك مشكلة لأنه يخلق حاجزاً بين الباحث عن عمل والمرشدين، ما يعوق مساعيه بسبب جهل المرشد بالمستجدات. يناقش المؤلفون الأسباب الرئيسية لانقطاع التواصل بينك وبين المرشد ثم يقترحون عليك خطة بسيطة من 3 جوانب لمتابعة التواصل معه بفعالية وهي: الإعراب عن الامتنان وتحديد النصائح الأكثر إثارة للاهتمام بالنسبة إليك وأخيراً سؤاله إذا كان بإمكانك طرح أسئلة إضافية لاحقاً خلال بحثك عن وظيفة.
كتب الكثير من الخبراء عن فوائد التعارف عند البحث عن عمل، لكن المشكلة هي أن الحصول على هذه الفوائد يتطلب منك متابعة التواصل مع الأشخاص الذين التقيتهم، وهو أمر يعجز الكثيرون عنه. عقدنا ندوة عبر الإنترنت ضمت أكثر من ألف خريج في كليات وجامعات الأعمال الأوروبية، وقد سألنا المشاركين قبل الندوة عن عدد المرات التي تواصل فيها معهم طالبو التعارف المهني بعد أول لقاء، فعلمنا أن أكثر من نصفهم لم يتواصل معهم أحد.
فلمَ لا يتابع طالبو التعارف المهني التواصل؟ ثمة نصيحتان تقليديتان قد تشكلان عائقاً في هذا الشأن
الأولى؛ هي أن شكر الطرف الآخر بعد لقاء التعارف غير كافٍ، بل يجب أن يقترن بلفتة ترسخ في ذهنه مثل إرسال ملاحظة بخط اليد أو تقديم هدية صغيرة، أو التعبير عن مشاعر الامتنان الصادقة. قد تكون هذه النصيحة مفيدة، لكنها غالباً لا تجدي في تحفيز المتابعة لأنها ترفع سقف التوقعات جداً.
النصيحة الثانية؛ هي أن ترد للطرف الآخر الجميل بمثله، من خلال مشاركة مقال مثير للاهتمام معه مثلاً، أو أن تعرض عليه تقديمه إلى معارفك الذين قد يكونون مفيدين له في مجاله المهني. لا شك في أن أسلوب رد الجميل يمثل محفزاً فعالاً في بناء العلاقات، لكن تطبيقه قد يكون صعباً إذا كنت تبحث عن عمل، لأنك عندما تطلب المشورة ستتواصل غالباً مع أشخاص أعلى منك رتبة ومن ثم فإنه يصعب عليك مساعدتهم فيما يخص البحث عن عمل.
فكيف تتابع التواصل مع المرشدين بعد لقاءات التعارف بطريقة سهلة وفعالة؟
للمساعدة في الإجابة عن هذا السؤال، طلبنا من المشاركين في ندوتنا عبر الإنترنت التحدث عن أفضل تجاربهم وأسوئها في التعامل مع طالبي التعارف المهني، فتلقينا أكثر من 170 رداً.
فيما يخص التجارب السلبية، قال العديد من المشاركين إن طالبي التعارف لم يتواصلوا معهم مطلقاً، وأشار البعض إلى تعرضهم للتجاهل أو التهميش، حتى إن أحدهم قال: "لم يتواصل معي الشخص بعد لقائنا مطلقاً على الرغم من أن اجتماعنا دام ساعتين وأنني عرضت عليه تقديمه إلى معارفي". الرسالة واضحة هنا وهي أن الصمت يؤدي إلى تفويت الفرص وإضعاف العلاقات.
ولو كانت النصيحة التقليدية صحيحة، لكان من الممكن للمشاركين الذين خاضوا تجارب إيجابية مع طالبي التعارف أن يمتدحوا بشدة أساليب الملاحظات المكتوبة بخط اليد والهدايا المختارة بعناية والتعبير العاطفي عن الامتنان، لكن اثنين فقط من المشاركين أشارا إلى لفتة تقديم الهدايا، فقال أحدهما: "تلقيت علبة من الحلوى"، وأشار مشارك واحد فقط إلى رسائل الشكر العاطفية وقال إنها كانت صادقة جداً.
فماذا عن أسلوب رد الجميل؟ أشار 18% من المشاركين إلى رد الجميل أو التعاون أو استمرار الصداقة، لكن هذه الفئة من الإجابات لم تكن في المرتبة الأولى، ولا حتى ضمن الثلاث الأولى.
كيف تتابع التواصل مع معارفك الجدد بطريقة صحيحة؟
إذاً، ما هي طريقة المتابعة الممتازة للتواصل مع المعارف الجدد؟
كانت الإجابات الثلاث الأولى التي تلقيناها من المشاركين هي التالية: معرفة أن نصائحهم كان لها أثر إيجابي على الشخص الذي تواصل معهم (43%)، وتلقي الشكر (23%)، ومعرفة أن من تلقى نصائحهم قد اتبعها بالفعل (22%). ذكر العديد من المشاركين أن أحد الأساليب الفعالة في متابعة التواصل هو اطِّلاعهم المستمر على أخبار الشخص الذي قدموا له المشورة. وكما قال أحدهم: "لقد ظل على اتصال بي وأطلعني على مسيرته المهنية، وكثيراً ما ذكرني بأنني سبب تقدمه، لقد كنت مذهولاً وسعيداً جداً".
ينبغي ألا يفاجئك مدى الإيثار الذي يتصف به هؤلاء المشاركون، فهذه صفة تميز الأشخاص الذين يستجيبون لطلبك بالتواصل لغرض التعارف المهني ويقدمون المشورة لك، لكنهم ينقسمون إلى نوعين مختلفين، وكما كتب أحدنا (ستيف)، في كتابه "البحث عن وظيفة في ساعتين" (The 2-Hour Job Search)، فإن البعض يتصرفون بدافع الإيثار البحت (الداعمون)، في حين أن آخرين يتصرفون بدافع الشعور بالالتزام (الملتزمون). يشكل الداعمون شريحة صغيرة من الناس (ربما 10-20%)، ولكن لأنهم على استعداد كبير للقائك ومساعدتك في التعارف فهم الفئة التي ستلتقيها غالباً، وستحصل منهم على الإرشادات العملية الممكنة كلها تقريباً؛ أما الملتزمون فقد يعقّدون عملية التواصل (فيعيدون جدولة الاجتماعات بصورة متكررة مثلاً)، أكثر مما يقدمون المساعدة، إنهم يفضلون عدم المشاركة ولكنهم يريدون حفظ ماء الوجه في الوقت ذاته.
إذاً، كيف تعبر عن تقديرك للداعمين وتجعل التعامل مع الملتزمين أسلس؟ من خلال ممارسة أسماها ستيف الشكر الثلاثي الأبعاد (3TY)، وهي ممارسة تعتمد على الدروس المستفادة خلال تدريب الآلاف من طلاب ماجستير إدارة الأعمال الباحثين عن عمل، تتألف من الجوانب التالية:
أعرب للشخص عن امتنانك على وقته ومعلوماته.
اشكر الشخص صراحة، يمكن أن يتضمن ذلك قول عبارة بسيطة مثل: "شكراً لك مرة أخرى على وقتك والمعلومات التي قدمتها لي أمس". إن التعبير عن الشكر بلطف وفي الوقت المناسب يعني الكثير.
سلط الضوء على أكثر المعلومات أو النصائح إثارة للاهتمام بالنسب إليك.
عندما تركز على جوانب محددة، يعرف الشخص أنك كنت مهتماً حقاً بما تحدثتما عنه، كما يسمح لك ذلك بالثناء عليه دون تكلف. علاوة على ذلك، فإن أي جانب تسلط الضوء عليه يمكن أن يكون موضوعاً تفكر فيه وتتأمله قبل اتصالك التالي بهذا الشخص، وفي الواقع يمكن أن يكون سبباً لمتابعة التواصل معه. قد تقول مثلاً: "أكثر نصيحة أعجبتني هي اقتراحك عليّ التحقق من مجلتي آد إيج (Ad Age) وبراند ويك (Brand Week) لمواكبة المزيد من المستجدات حول مواضيع التسويق ومصطلحاته المتعلقة بالسلع الاستهلاكية المعبأة." ولهذا الأسلوب فائدة أخرى: بمجرد اتباعك هذه النصيحة، سيكون لديك سبب وجيه للتواصل مع الشخص مرة أخرى وإطلاعه على آخر مستجداتك.
اسأل بتواضع إذا كان بإمكانك طرح أسئلة إضافية لاحقاً خلال بحثك عن وظيفة.
يتلقى الأشخاص الذين يطلبون ذلك استجابة إيجابية دائماً تقريباً، وهم بذلك يفعّلون استجابة "الالتزام والاتساق" لدى الطرف الآخر، كما وصفها عالم النفس روبرت تشالديني في كتابه التأثير: علم نفس الإقناع" (Influence: The Psychology of Persuasion). وجد تشالديني أنك إذا تمكنت من إقناع شخص ما بالموافقة شفهياً على اتخاذ إجراء معين في المستقبل، فإنك بذلك تزيد من احتمالية تنفيذه هذا الإجراء. في هذه الحالة، أنت تأمل تلقي رد على رسالة المتابعة الإلكترونية التي سترسلها لاحقاً.
عندما ترسل الرسالة الإلكترونية الأولى التي تتضمن جوانب الشكر الثلاثة، نوصيك بوضع تذكير في جدول مواعيدك لإرسال رسالة المتابعة، واستخدم في هذه الرسالة تنسيق الرسالة الأولى نفسه مع إجراء تغيير، فبعد تذكير الشخص بأهم درس مستفاد من الاجتماع الأصلي، أوضح الفائدة التي حصلت عليها من اتباع هذه النصيحة أو من التصرف بناءً على هذه المعلومة، ومثال ذلك: "بعد قراءة مجلة آد إيج، صرت أدرى بموضوعات التسويق ولغته واتجاهاته". عندما تكرر امتنانك بعد فترة من الوقت، وتصف كيف ساعدتك النصيحة التي تلقيتها؛ فإنك تبني ثقة كبيرة مع الطرف الآخر وتظهر أنك متدرب متجاوب وتتصرف بطريقة استباقية وأن العمل معك ممتع ومجزٍ. حتى الأشخاص الذي يتصرفون بدافع الالتزام يمكنك التأثير عليهم من خلال هذه المتابعة البسيطة.
لا يتطلب التعبير عن الامتنان الكثير من الوقت والجهد، اعتبره نقطة البداية في العلاقة لا نقطة النهاية. أما الإجراءات التالية التي ستتخذها فأنت مسؤول بالكامل عنها، فبدلاً من أن تكتفي بكتابة رسالة شكر قصيرة لمن دعمك وتنساه بمجرد إرسالها إليه، حافظ على تواصل طويل الأمد معه، أرسل رسالة الشكر الثلاثي الأبعاد وضع تذكيراً لإرسال رسالة متابعة الشهر القادم، وستثير إعجاب معارفك بمدى وعيك.