الرجاء تفعيل الجافاسكربت في متصفحك ليعمل الموقع بشكل صحيح.

تعديل أسلوب توجهك للسوق قد ينقذ شركتك وقت الأزمات

5 دقيقة
حوكمة الأزمات
shutterstock.com/Andrii Yalanskyi

عندما تهب رياح التغيير، يبني بعض الأشخاص جدراناً في حين يبني آخرون طواحين هواء. يعكس هذا المثل الشعبي واقع الشركات العائلية ذات الهيكلية الثابتة وكيفية تعاملها مع التغيير. وفي ظل المشهد المتقلب للاقتصاد العالمي اليوم، أصبحت إدارة الأزمات محوراً بارزاً على الشركات الاهتمام به، خصوصاً تلك التي تنشط في قطاع السلع الاستهلاكية السريعة الحركة (FMCG). وفي هذا السياق، برز مصطلح "حوكمة الأزمات"، الذي يعني تكييف آليات الإشراف على الشركة العائلية، التي تتنقل إرثها وتاريخها من جيل إلى جيل، في ظل ظروف شديدة التقلب لضمان تماسك رؤى وأهداف العائلة المالكة وأعضاء مجلس الإدارة والتنفيذيين حول الرؤية الطويلة الأمد، والقيم الأساسية، والتوقعات المالية، وآليات إدارة المخاطر. ويبرز أيضاً مفهوم "الصمود" ويتجلى خصوصاً على صعيد الشركات العائلية التي تعتقد أن أي أزمة طارئة من شأنها أن تمر وعلى الشركة التأقلم وإكمال مسارها.

وبالعودة إلى قطاع السلع الاستهلاكية، فقد أبرزت التوترات الاقتصادية هشاشة سلاسل التوريد لهذا القطاع في مواجهة الاضطرابات، ما يستدعي تطبيق ممارسات فعّالة لإدارة سلاسل التوريد لضمان المرونة والاستمرارية. وتشمل هذه الممارسات اعتماد المرونة والقدرة على التكيف مع تغيرات السوق والاضطرابات، بالإضافة إلى التعاون والتواصل بهدف تعزيز العلاقات مع المورّدين والموزعين وأصحاب المصلحة الآخرين لضمان التدفق السلس للعمليات، وأخيراً، التحسين المستمر، مع مراجعة استراتيجيات إدارة الأزمات وسلاسل التوريد وتحديثها بانتظام، لتتماشى مع المخاطر المتطورة.

علامات تجارية اختبرت التغيير في قنوات البيع

أحد الاتجاهات التي اعتمدتها العلامات التجارية في هذا القطاع عالمياً، هو تعديل نمط البيع. فبعدما كانت علامة مورّدة تبيع منتجاتها بالجملة عبر وكلاء وشركاء في الأسواق، رأينا انتقالها إلى التوجه للجمهور مباشرة من خلال قنوات بيع رقمية وبالتجزئة.

نستله

استجابت شركة نستله المتعددة الجنسيات، والمتخصصة في إنتاج الأطعمة المعلبة، والتي يتركز نشاطها بالأساس على توريد هذه المنتجات إلى السوق عبر موزعين، لجائحة كوفيد-19 بتعزيز جهودها في مجال البيع المباشر للمستهلكين (D2C) في كل من أميركا الشمالية وأوروبا من خلال علامتي نسبريسو (Nespresso) للقهوة، وبورينا (Purina) للعناية بالحيوانات الأليفة. ومع النمو الكبير للتجارة الإلكترونية، انتهزت نستله الفرصة لتوسيع قاعدة عملائها الرقمية، فطورت استراتيجيات لتعزيز تفاعل العملاء، وبسّطت عمليات اللوجستيات لتوصيل المنتجات مباشرة إلى المنازل. وأعلنت نستله في عام 2021، أنها تتوقع مضاعفة مبيعاتها عبر التجارة الإلكترونية لتصل إلى 25% من إجمالي مبيعاتها بحلول عام 2025، من خلال تعزيز الاستثمارات في التسويق والتكنولوجيا. وأشار الرئيس التنفيذي لنستله، مارك شنايدر، إلى أن الشركة ستركز على بيع منتجاتها للمستهلكين مباشرة عبر قنواتها الإلكترونية الخاصة.

يونيليفر

أطلقت شركة يونيليفر المتعددة الجنسيات، التي تشمل منتجاتها الطعام والحلوى ومشروبات الطاقة والمشروبات الغازية والجبن والآيس كريم والشاي ومواد التنظيف والقهوة وغيرها، وتزود أيضاً السوق بهذه المنتجات عبر الوكلاء، عام 2021 منصة يوشوب (UShop) في آسيا، ما يعكس التوجه نحو المبيعات المباشرة عبر الإنترنت. وتُمكِّن هذه المنصة من تقديم عروض مخصصة بناءً على بيانات المستهلكين، ما يعزز التفاعل ويوفر تجربة تسوق مناسبة لكل مستخدم.

مجموعة فتال

من الأمثلة العربية على تكيّف الشركات العائلية التي تعمل في قطاع السلع الاستهلاكية السريعة منذ أكثر من قرن من الزمن، نموذج شركة فتال اللبنانية، التي تناولتها دراسة حالة أعدّتها مديرة مركز ذا كايس هاب (The Case Hub) التابع لكلية سليمان العليان لإدارة الأعمال بالجامعة الأميركية في بيروت، رندى سلمون، والمحاضِرة في الجامعة نفسها، لينا تنير.

تأسست مجموعة فتال في عام 1897، وتوسعت على نطاق كبير على مدار السنوات، ما أتاح لها إقامة شراكات مع علامات تجارية عالمية كبيرة في قطاعات مثل السلع الاستهلاكية السريعة الحركة (FMCG)، والمستحضرات الصيدلانية، ومستحضرات التجميل، والأجهزة المنزلية لتوزيع هذه السلع في الأسواق. تعمل الشركة في خطوط أعمال عدة عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وحافظت على إدارتها العائلية من جيل إلى آخر.

وتسرد دراسة الحالة كيف أدخلت مجموعة فتال، إبان جائحة كوفيد-19 والأزمة الاقتصادية والسياسية التي واجهها لبنان بدءاً من عام 2019، من نموذج عمل تقليدي قائم على التعامل مع شركات التوزيع (Business to business) العمل مباشرة مع المستهلكين إلى منظومة عملها عبر إنشاء منصة مبيعات إلكترونية للشركة. واجهت مديرة الاتصالات المؤسسية في شركة فتال العائلية التي يديرها الآن الجيل الرابع، ماري-نوال فتال، تحدي إنشاء نشاط رقمي في ظل الانهيار السياسي والمالي في لبنان الذي عطّل قطاع التجزئة، ما دفع فتال إلى التكيف سريعاً لضمان استمرار الأعمال. وتقول ماري-نويل: "كان ذلك خطوة منطقية، فقد كنا موزعين، ولكن كانت لدينا أيضاً متاجر بيع بالتجزئة، وجميع هذه المتاجر كانت تُغلق". بدأت شركة فتال بإطلاق منصات رقمية منفردة لكل من علاماتها التجارية، بعد ذلك، دمجتها كلها تحت لواء منصةٍ أم، تحمل اسم فتال أونلاين، ما أتاح هيكلة نمط العمل، وتوحيد جهود الفريق، فضلاً عن خلق هوية رقمية وعلامة تجارية موحدة في ذهن المتسوق. فأصبح يقصد موقعاً واحداً لشراء كل المنتجات التي تقدمها فتال.

أهمية هذا التغيير

هناك العديد من الأسباب التي تدعم تنويع الشركات قنوات البيع وتدفعها إلى ابتكار قنوات جديدة خاصة في أوقات الأزمات. ومن خلال التجارب التي استعرضناها، نستقي الخبرات السبع الآتية:

  1. تنويع مصادر الدخل: يمكن للأزمات أن تعطل قنوات المبيعات التي تتوجه للشركات (B2B) التقليدية. وبإضافة منصة تتوجه لعموم الجمهور، تستطيع الشركة الوصول إلى مصدر دخل جديد مباشرةً من المستهلكين، ما يحقق استقراراً مالياً في أثناء فترات تذبذب الطلب على صعيد الشركات.
  2. التعرف على توجهات المستهلكين مباشرة: يوفر التحول إلى الجمهور رؤية فورية لاحتياجات المستهلك وتوجهاته، ما يمكّن الشركة من الاستجابة بسرعة للتغيرات في الطلب، ويعزز استراتيجية العمل مع الشركات من خلال تزويد الشركة بميزة تنافسية في السوق.
  3. تعزيز الحضور والعلامة التجارية: تساعد المنصة المباشرة للمستهلكين الشركة على تعزيز وعي المستهلك بالعلامة التجارية وبناء الولاء، ما يجعلها اسماً مألوفاً يزيد قيمة العلامة التجارية في نظر شركاء الشركة المورّدة.
  4. مرونة سلسلة الإمداد: يمكن أن يساعد تشغيل قناة بيع تتوجه مباشرة إلى الجمهور الشركة الموردة في السيطرة على المخزون والتوزيع وتقليل الاعتماد على الوسطاء، ما يعزز مرونة الشركة في أثناء اضطرابات سلاسل الإمداد.
  5. الاستفادة من التحولات الرقمية: أسهمت جائحة كوفيد-19 في تسريع التوجه نحو التجارة الرقمية، ما جعل التسوق الإلكتروني أمراً طبيعياً. إن التوجه للجمهور مباشرة عبر منصة إلكترونية يتيح للشركة الاستفادة من هذا التحول وزيادة حصتها في السوق دون الاعتماد فقط على المتاجر التقليدية.
  6. اختبار الابتكارات في المنتجات: تتيح المنصة الإلكترونية للشركة اختبار المنتجات الجديدة مباشرة مع المستهلكين دون الحاجة إلى الانتظار حتى تقدمها المتاجر أو الموزعون، ما يحقق قدراً أكبر من المرونة والسرعة في سوق سريعة التغير.
  7. بناء القدرة على تحمل الأزمات المستقبلية: يوفر النموذج الثنائي (B2B) و(B2C) للشركة مرونة أكبر ويزيد من تحملها للأزمات من خلال توزيع المخاطر بين القناتين، إذ يمكن لإحدى القناتين دعم الإيرادات واستدامة الأعمال في حال تأثرت الأخرى.

مواجهة التحديات

يبقى التحدي الأكبر الذي يجب على الشركة التصدي له هو عدم ضياع هويتها الأساسية، فضلاً عن كيفية التعامل مع الموزعين الذي هم زبائن الشركة الأوائل ويشكلون نواة عملها. وأكدت مديرة محفظة المنتجات في مجموعة فتال، غيدا سنو، أن المنصة تخدم تجار التجزئة المستقلين من خلال الترويج للمنتجات للمستهلكين النهائيين وتجار التجزئة الأصغر أو تجار الشحن المباشر الذين يشترون الوحدات: "نتلقى طلبات على المنصة من بعض تجار التجزئة لدينا؛ يستخدمها البعض لطلب الوحدات، أقل من صندوق واحد، للاستفادة من العروض الترويجية أو إذا كانوا نفدوا من المخزون. كما أتاحت لنا هذه المنصة الوصول إلى تجار التجزئة الأصغر في المناطق النائية والتكامل مع منصات الشحن المباشر". وتقول ماري-نويل: "كانت رؤيتي كما يلي: أولاً، لدينا مجموعة كبيرة من العلامات التجارية والمنتجات، وكنت متحمسة لعرض كل شيء في مكان واحد لإبراز هذا التنوع. ثانياً، شعرت حقاً بأن صورة الشركة يجب أن تعكس القرن الحادي والعشرين. أنا أحب التاريخ فقد أنهيت دراستي في التاريخ وأنا شغوفة بتاريخ هذه الشركة، التي كان عليها اكتساب مهارات جديدة والتكيف مع العالم الجديد، كما كانت تفعل دائماً".

تجدر الإشارة إلى أن الانتقال إلى النظام الرقمي تطلب تعديلات تشغيلية، بما في ذلك إنشاء مستودع مخصص للطلبات الإلكترونية وضمان كفاءة الخدمات اللوجستية. واستخدمت الشركة أيضاً وسائل التواصل الاجتماعي للترويج للمنتجات، ما أتاح لها تغذية قرارات المبيعات والمخزون بناءً على ردود الفعل الفورية من المستهلكين.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025 .

المحتوى محمي