4 خطوات لتصميم مبادرة استراتيجية تعزز جاذبية الشركة

6 دقيقة
برامج المسؤولية الاجتماعية
الرسم التوضيحي: بول ريد

لطالما بدت برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات التقليدية وكأنها تهدف إلى تحقيق أهداف شكلية، أو زائدة عن الحاجة ومدفوعة غالباً بالعلاقات العامة. لكن بالنسبة للقادة الذين يتعاملون مع بيئة الأعمال المتزايدة التعقيد، تمثّل مبادرات التأثير الاستراتيجية فرصة ثمينة لتحقيق نتائج ملموسة في مجال الأعمال.

على سبيل المثال، عندما اجتاحت روسيا أوكرانيا عام 2022، أسستُ فريق التأثير، فليكس بورت دوت أورغ (Flexport.org) وقدته داخل شركة فليكس بورت (Flexport) لخدمات سلسلة التوريد اللوجستية الأميركية، وبدأ العمل وحشد شبكته اللوجستية لتقديم المساعدات الضرورية للنازحين.

لم يكن عمل الفريق مجرد مبادرة خيرية؛ إذ عززت الاستجابة علاقات الشركاء في مجال الشحن، وقدمت رؤى عميقة حول الأسواق المعقدة، ورفعت الوعي العام. بحلول عام 2024، سلّم الفريق أكثر من 23 مليون جنيه إسترليني من المساعدات المتعلقة بالحرب مع توليد قيمة تجارية في الوقت نفسه. على وجه التحديد، لاحظنا في فليكس بورت أن العملاء التجاريين الذين يتعاملون مع الفريق كانوا أقل عرضة للتوقف عن العمل معه بنسبة 60%، كما أن الفريق مكّن عمليات الشركة في 23 دولة جديدة.

تتحدى هذه التجربة الرواية السائدة حول العمل المؤثر للشركات اليوم. في حين أن العديد من الشركات يتراجع عن الالتزامات الاجتماعية والبيئية، تشير قصص النجاح الأخيرة مثل إنجازات شركة فليكس بورت إلى أن هذه الشركات ربما تفوّت فرصاً ثمينة. يمكن أن تؤدي مبادرات التأثير الاستراتيجية؛ أي التي لا تكتفي بالتعامل مع العملاء الأساسيين بل تعمل على حل المشكلات الواقعية، إلى نمو كبير في الشركات.

سنناقش في هذا المقال كيف تمكنت شركة فليكس بورت، وكذلك شركة تويليو (Twilio) التي مقرها الولايات المتحدة، من تعزيز قوتها ومرونتها مع المساعدة على مواجهة التحديات العالمية، كما سنستكشف كيف يستطيع القادة فعل الأمر نفسه في مؤسساتهم.

إعادة صياغة الأثر في شركات اليوم

تمثّل مبادرات المسؤولية الاجتماعية للشركات غالباً مراكز تكلفة؛ إذ إنها تستهلك غالباً ما لا يقل عن 2% من أرباح الشركة وتفشل في الاستفادة من كفاءات الشركة الأساسية أو تحقيق نتائج دائمة. يولّد ذلك معضلة كبيرة؛ ففي حين أن الشركات لديها فرصة فريدة للمساعدة على حل المشكلات العالمية الكبيرة (يسيطر القطاع الخاص على أكثر من 70% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي)، فإنها تواجه ضغوطاً شديدة لتحقيق الربحية. وخلال فترات الركود الاقتصادي، غالباً ما تكون مبادرات المسؤولية الاجتماعية للشركات التقليدية أول ما يُلغى.

أغلبية برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات مفصولة عن العمليات التجارية الأساسية، وهي تركز في المقام الأول على الامتثال وإدارة المخاطر. لا يحد هذا النهج الانعزالي من الأثر المحتمل فحسب، بل يفوّت على الشركات فرصة تعزيز أدائها وتطويره.

لنتناول فريق فليكس بورت بصفته مثالاً معاكساً. أدرك هذا الفريق أن خبرته في مجال الخدمات اللوجستية العالمية والتخليص الجمركي قد تتمتع بأثر تحويلي في مجال المساعدات الإنسانية. من خلال مساعدة مؤسسات الإغاثة على التعامل مع القواعد الجمركية المعقدة، سرّع الفريق تسليم إمدادات الإغاثة وعمّق خبرته التي تفيد عملاءه التجاريين. حوّل هذا النهج المتكامل ما كان يمكن أن يكون مبادرة بسيطة من مبادرات المسؤولية الاجتماعية للشركات إلى محرك قوي لتحقيق المنفعة العالمية والقيمة التجارية على حد سواء، ما أدى إلى إنشاء نموذج أكثر مرونة في مواجهة الضغوط الاقتصادية وأكثر فعالية على نطاق واسع.

اللَبِنات الأساسية للتأثير الاستراتيجي

سنتحدث الآن عن 4 مبادئ أساسية لتوجيه القادة في تصميم محركات نمو الأثر:

الإنصات قبل العمل

ابدأ بتعميق فهمك للمشكلات التي تهدف إلى حلها، بدلاً من أن تحاول البحث عن مشكلة بناءً على حل مسبق. على غرار الطريقة التي يتعاون بها فريق فليكس بورت مع المجموعات المحلية لتحديد احتياجات الإمداد الدقيقة في أثناء الأزمات، فإن فريق تويليو دوت أورغ (Twilio.org) يجسد هذا النهج. ظهر هذا الفريق بعد أن لاحظت شركة الاتصالات السحابية، تويليو، أن المؤسسات غير الربحية تستخدم منصة الاتصالات الخاصة بها على نحو مبتكر في خطوط الاتصال المباشرة للأزمات والاستجابة للكوارث. بدلاً من مجرد تقديم منتجات مجانية، عملت الشركة من كثب مع المؤسسات لتطوير حلول محددة، مثل مراكز الاتصال الرقمية التي تدعم تطبيق واتساب والرسائل النصية والصوتية.

الاستفادة من مواطن القوة الأساسية

ينبع الأثر الأشد من الاستفادة من العمل الذي تجيده بالفعل. نجح فريق تويليو دوت أورغ لأنه يسخّر منصة المشاركة الرقمية نفسها التي تعتمد أعمال تويليو الأساسية عليها، ما يمكّن المؤسسات غير الربحية من استخدام خدمات المراسلة الأساسية بسرعة في أثناء الأزمات. يطبّق فريق فليكس بورت دوت أورغ خبرة الشركة في مجال الخدمات اللوجستية وشبكة الشحن في مجال شحن المساعدات الإنسانية، ما يعزز بدوره فعالية العمليات للعملاء جميعهم. عندما تتوافق مبادرات التأثير مع الكفاءات الأساسية، فإنها تصبح أكثر استدامة وأكثر قابلية للتوسّع؛ إذ يعزز كل تقدم تحرزه في عملك الرئيسي فعالية مبادرات التأثير تلقائياً. يبين اتباع هذا النهج المتكامل أيضاً المصداقية التي تتمتع بها، ما يدل على أن مبادرة التأثير ليست مجرد مشروع جانبي بل هي امتداد طبيعي للعمل الذي تجيده شركتك.

بناء خلق القيمة على الأثر

تخلق مبادرات التأثير الذكية دورات محمودة من المنفعة تشمل الشركات والمجتمعات. خلال الأشهر الأولى من جائحة كوفيد-19، عندما تباطأ الشحن التجاري جداً، مثّلت شحنات فريق فليكس بورت دوت أورغ الإنسانية أكثر من 30% من حجم أعمال الشركة على مدى فترة وجيزة، ما ساعد على استمرار عمل الشبكة خلال فترة عسيرة.

أما بالنسبة إلى تويليو، فالعمل ذو التأثير الاجتماعي يوفر رؤى مهمة تعزز فعالية المنصة بالكامل؛ ففي نهاية المطاف، عند توفير خطوط الاتصال المباشر للأزمات، لا تتعلق الموثوقية برضا العملاء فحسب، بل تتعلق بإنقاذ الأرواح. من خلال السعي لتحقيق أثر مستدام عبر تقديم منتجات بأسعار مخفّضة (بدلاً من المنتجات المجانية)، يحقق فريق تويليو دوت أورغ إيرادات تساعده على الازدهار حتى في أثناء فترات الركود الاقتصادي. أدى هذا النموذج الفعال إلى نمو ملحوظ؛ إذ يتواصل الفريق الآن مع أكثر من 700 مليون شخص من خلال أكثر من 21 ألف مؤسسة، منها مؤسسة بولارس (Polaris) والاتحاد الدولي للصليب الأحمر. السر هو تحديد الفرص التي توافق بين التأثير والمنفعة التجارية تلقائياً، بدءاً من تعزيز العلاقات مع العملاء وتغطية أسواق جديدة وصولاً إلى جذب أصحاب المواهب والاحتفاظ بهم.

التصميم على المدى الطويل

يستغرق تحقيق الأثر الحقيقي وقتاً طويلاً ويتطلب القدرة على التحمّل. يمكن أن تحدث الأزمات في أي وقت، وحتى لو استطعت الاستجابة لها، فإن التعافي يستغرق وقتاً طويلاً، لذلك يخطط القائمون على مبادرات التأثير الأكثر فعالية على المدى البعيد. تعهدت تويليو بالتبرع بنسبة 1% من أسهمها قبل الاكتتاب العام الأولي خلال طرح الشركة للتداول لتمويل فريق تويليو دوت أورغ، ما أتاح إنشاء أساس متين لعملها. اتبعت فليكس بورت نهجاً مماثلاً وأنشأت صندوق فريق فليكس بورت دوت أورغ استباقياً، ما ضمن قدرتها على الاستمرار بإرسال الشحنات الإنسانية بمرور الوقت. تجعل طرق التحضير هذه الشركات شركاء موثوقين تستطيع المؤسسات الأخرى الاعتماد عليهم.

البدء بالعمل

لن تنجح الشركات جميعها في التوفيق بين أعمالها التجارية الأساسية وحل المشكلات الواقعية كما فعلت شركتا فليكس بورت وتويليو. لا ضير في ذلك؛ فهناك العديد من الطرق لتحقيق أثر هادف. بالنسبة لبعض المؤسسات، قد يكون النهج الأكثر فعالية هو الشراكات الاستراتيجية أو تمويل المبادرات القائمة، كما يمكن أن تكون القوة المالية عاملاً أساسياً أيضاً.

المرحلة الأولى أسهل مما قد تتخيل، ويمكن تلخيصها في 3 خطوات:

1. حدد مواطن قوتك.

  • حدد القدرات التي يمكن أن تحفز التأثير الاجتماعي، بدءاً من الخبرة التقنية وصولاً إلى التميز التشغيلي.
  • فكّر على نطاق واسع. تجاوز فريق تويليو دوت أورغ تقديم منتجاته فقط ووفر رأس المال اللازم لإحداث تحول رقمي في المؤسسات غير الربحية من خلال برنامج يحمل اسم "صندوق التأثير".
  • حدد مسؤولاً تنفيذياً مميزاً يتمتع بخبرة في مجالي التجارة والتأثير الاجتماعي. (ليس من الضروري أن يكون متفرغاً)

2. ابدأ على نطاق ضيق وضمن خطة استراتيجية.

  • ابحث عن أثر يحدث بالفعل على نحو غير رسمي داخل مؤسستك. على سبيل المثال، فرق المبيعات التي تدعم المؤسسات غير الربحية أو النشاطات في قطاعات مثل التعليم والرعاية الصحية.
  • حدد مشروعاً تجريبياً موجهاً مع عدد صغير من الشركاء. بدأ فريق فليكس بورت دوت أورغ بشراكة واحدة فقط مع مؤسسة غير ربحية رئيسية واحدة قبل أن يوسع شبكته لتشمل أكثر من 400 مؤسسة.
  • ضع مقاييس نجاح مبكرة لاكتشاف القيمة المؤسسية الأوسع نطاقاً.
  • ركّز على التعلم وتكرار التجارب قبل التوسع.

3. احرص على بناء المصداقية من خلال العمل.

  • أثبت قدرتك على التأثير بدلاً من مجرد الإعلان عن أهداف طموحة.
  • أبرِز نجاحات شركائك لإبراز عملك. يسلط كل من فريق فليكس بورت دوت أورغ وفريق تويليو دوت أورغ الضوء على نجاحات المؤسسات غير الربحية الشريكة.
  • شارك نتائج ملموسة وقصصاً ذات مغزى، باحترام دائماً.
  • احرص على بناء الثقة من خلال تنفيذ الوعود وتقديم النتائج على نحو مستمر.

اختيار الهيكل المناسب

تؤثر هيكلة مبادرة التأثير كثيراً في قابلية استمرار المبادرة على المدى الطويل، وقد تكون هناك خيارات أكثر (وأبسط) من الخيارات المعروفة عموماً. يبتعد العديد من المؤسسات عن النموذج التقليدي المتمثل في إنشاء مؤسسة غير ربحية منفصلة، وهي تحقق أثراً كبيراً من خلال طرق أخرى. يوفر البدء بفريق داخلي صغير غالباً المرونة اللازمة لاختبار البرامج وتحسينها.

بدأ فريق فليكس بورت دوت أورغ بصفته فريقاً داخل شركة فليكس بورت، ولكنه تطور وبدأ يطبق نموذجاً هجيناً مبتكراً يجمع بين العمليات الداخلية والرعاية المالية لإتاحة التبرعات العامة. أدى هذا النهج إلى تخفيض النفقات العامة المكلفة وتقديم أكثر من 102 مليون جنيه إسترليني من المساعدات إلى 114 دولة. تستخدم شركة تويليو صندوق تبرعات موصى به من المتبرع (DAF) لإدارة منحها الخيرية. يضمن ذلك دمج فريق التأثير الاجتماعي في الشركة حيث يمكنه توفير القيمة، بينما يتولى الصندوق أي أعباء إدارية لتقديم المنح.

عند اختيار الهيكل القانوني، يجب على القادة تقييم ما يلي:

  • ما هي الأنشطة المحددة التي ستنفذها المبادرة، وهل يمكن القول إنها خيرية؟
  • ما هي مصادر التمويل المطلوبة؟
  • ما هو مقدار السيطرة المباشرة التي يجب أن تحتفظ به الشركة؟
  • ما هي الموارد المتاحة للإدارة والامتثال؟
  • ما هو المستوى الممكن من الشفافية وإعداد التقارير؟

يمكن أن تكون طرق التمويل مرنة بالقدر نفسه. تبدأ المؤسسات عادةً بموارد داخلية متواضعة أو خدمات عينية. مع نمو البرامج، يستطيع القائمون عليها الحصول على تمويل مستدام من خلال تقديم الخدمات المخصومة أو جذب الدعم الخارجي من التبرعات العامة ومِنح المؤسسات والشراكات المؤسسية. لا تنسَ أن النماذج المختلفة لها تبعات متفاوتة من حيث المعاملة الضريبية وكيفية إنشاء قيمة الشركة، لكن السر هو البدء وترك الهيكل يتطور مع ازدياد التأثير.

تحديد محرك النمو الجديد

يبيّن نجاح البرامج مثل تويليو دوت أورغ وفليكس بورت دوت أورغ أن الاستعداد لاتخاذ الخطوات الاستباقية يساعد على بناء شركات أكثر فعالية ومرونة مع معالجة التحديات العالمية المُلحة. تخلق هذه المبادرات قيمة قابلة للقياس من خلال تحسين العلاقات مع العملاء وتعزيز القدرات التشغيلية وتقوية الروابط المجتمعية، وهي كلها محركات أساسية لنمو الشركات المستدام.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي