هل فعلاً الغاية ضرورية للنجاح في مسارك الوظيفي؟

7 دقيقة
غاية محددة
سفيتازي/غيتي إميدجيز

ملخص: بعيداً عن الحكايات والقصص الشائعة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، لا توجد أدلة قوية تدعم فكرة أن الشخص يحتاج إلى غاية محددة لبناء مسار مهني مُرضٍ، بل إن الأمر عكس ذلك تماماً، أي من الشائع جداً أن نسعى لتحقيق غاية ونكتشف لاحقاً أنها وهمية وليست ما نطمح إليه حقاً. والحل يكمن في تحويل التركيز من "الغاية" إلى "المعنى". اسأل نفسك:

  • ما هي الأمور التي أحبها أو أفضلها أو أستمتع بها؟ تخلّ عن الرغبة الملحة في البحث عن الغاية في مسارك المهني، بل توقف قليلاً وأعد النظر في الأمور التي استمتعت بها في أي من وظائفك السابقة، أو مشاريعك الدراسية، أو الأنشطة الأخرى التي تقضي وقتك في ممارستها، مثل مساعدة نظرائك في ترتيب مهامهم، أو البحث عن المصادر المعرفية المتعلقة بمشاريعكم الجماعية، أو العمل ضمن فريق بدلاً من العمل بمفردك. ثم فكر انطلاقاً مما تتوصل إليه؛ 
  • ما الذي أجيد فعله؟ لا بدّ من أنك اكتسبت العديد من المهارات القابلة للتطوير بداية مسارك المهني، وهي نفسها المهارات التي تتقنها اليوم بالفعل ويمكنك تحسينها وتطويرها أكثر مع الممارسة والتدريب. فكّر في المهارات التي تتحسن فيها تدريجياً؛ بعبارة أخرى، يساعدك استخدام المهارات التي تتقنها بالفعل وتحسين هذه المهارات على تحفيزك وتعزيز إحساسك بالتقدير والفائدة.
  • هل سيوفر لي هذا المنصب فرصاً للنمو والتعلم يمكنني الاستفادة منها لاحقاً؟ تشير البحوث إلى أن ما يسميه العلماء "تطوير القدرات" (أي تحسين الأداء في مجال العمل) يعزز شعور الفرد بالسعادة والرضا ويمنح حياته معنى أكبر.

أتاح لي عملي أستاذاً في مجال الدراسات المؤسسية في كلية شوليش للأعمال (Schulich School of Business) في تورونتو بكندا فرصة مساعدة طلابي في جوانب متعددة من عملية تطوير مساراتهم المهنية. ولاحظت خلال تلك التجربة موضوعين متكررين. أولاً، لم يقتصر اهتمام معظم طلابي على دخول عالم الأعمال فحسب، بل على التميز والنجاح في مجالات عملهم. ثانياً، يسعى معظمهم إلى العثور على وظائف بعد التخرج يشعرون فيها بأنهم يمتلكون غاية.

لسوء الحظ، عندما يبدأ الطلاب البحث عن الوظائف والتقدم لها، تتبين لهم صعوبة العثور على وظيفة يمتلكون فيها غاية؛ ويتعجّل العديد منهم في رفض الوظائف التي لا تتوافق مع غاياتهم المحددة. ولكن كلما طالت فترة بحثهم عن وظائف، ازداد شعورهم بالقلق، ما يدفعهم إلى التواصل معي والإعراب عن خوفهم من فكرة عدم العثور على عمل يحقق غاياتهم، وهو خوف يتفاقم بسبب الاعتقاد أن الآخرين حققوا غاياتهم المهنية بالفعل.

إذا كنت خريجاً جديداً تدخل قوة العمل فقد ينتابك شعور مشابه، وهو أن رسالتك قريبة المنال، وأن حياتك المهنية ستستقر بمجرد تحديدها. وعلى الرغم من أن بعض الأشخاص حققوا الاستقرار المهني بالفعل، وجدت من تجربتي الشخصية أن هذا الافتراض غير واقعي، وأن ضرره أكثر من نفعه.

لنتأمل مثالاً إحدى طالباتي السابقات؛ إذ حصلت على وظيفة بعد تخرجها بوقت قصير، وكانت واثقة من أن هذه الوظيفة ستتيح لها تحقيق غايتها المهنية. كانت تهتم بمجال اللياقة البدنية منذ فترة المراهقة وحصلت على وظيفة في شركة متخصصة في إنتاج مشروبات طاقة هدفها توفير العناصر الغذائية والطاقة التي يحتاج الرياضيون إليها. وكانت تفضّل بصفتها شخصاً اجتماعياً العمل في وظيفة تتيح لها التواصل المباشر مع العملاء، وتوفر لها فرصاً لتحفيز الآخرين وقيادتهم. وارتأت أن ارتباطها بقطاع اللياقة البدنية هو غايتها الحقيقية.

لكنها اكتشفت بعد بدء العمل أن طبيعة الوظيفة كانت محدودة وعامة. وشعرت بصفتها موظفة في بداية مسارها المهني ضمن مؤسسة كبيرة أنها مجرد حلقة من سلسلة كبيرة، وأدركت أنها ستضطر إلى الانتظار عدة سنوات قبل أن تُتاح لها فرصة المشاركة في العمل الذي تفضله والذي ينطوي على التفاعل مع الآخرين.

ربما لم يحقق أسلوبها في الإفصاح عن غايتها النتيجة المرجوة، أو ربما أخطأت في تحديد غايتها من الأساس. لكن بصرف النظر عن ذلك، لم تجد أي جانب تحبه أو تستمع به من جوانب الوظيفة، وشعرت أن الوظيفة لم توفر لها فرصة استعراض مهاراتها وقدراتها. وأثرت التجربة بأسرها في تقديرها لذاتها وأخلّت بنظرتها عن نفسها وجعلتها تشعر بالخوف من المستقبل.

تعلمت طالبتي لاحقاً أن المناصب التي يتولاها الفرد في بداية المسار المهني تكون بسيطة وليس لها تأثير عميق على العالم، وأن ذلك جزء طبيعي من رحلة التطور المهني. ويكمن السر في جعل العمل هادفاً من خلال اعتباره جزءاً من رحلة الاستكشاف والتطوير الشخصي بدلاً من توقع أن العمل سيحقق هدفك في الحياة. وهي مهمة صعبة.

ونصيحتي لأي شخص يستعد للانضمام إلى قوة العمل هي أن يخفف الضغط عن نفسه؛ لا تُفصح عن غاية طموحة ومثالية في وقت مبكر (أو مطلقاً). وإليك سبب اعتقادي بأهمية التخلي عن فكرة "الغاية"، والمجالات التي يمكنك التركيز عليها بدلاً من ذلك.

أثر الضغط الناتج عن محاولة وضع غاية

توصل عالم النفس ليون فيستنغر في الخمسينيات من القرن العشرين إلى أن لدى البشر حاجة فطرية للحكم على أنفسهم من خلال مقارنة أنفسهم بالآخرين. ولاحظتُ ذلك التوجه مع طلابي بالفعل، إذ يخبرني العديد منهم أنهم يشعرون بأن أهمية تحديد غاياتهم المهنية والسعي وراءها تنبع من توقعات النظراء والعائلات، إضافة إلى الأمثلة التي يرونها من الأشخاص الآخرين الذين يعرضون إنجازاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.

تشجع الشركات أيضاً على أهمية وجود مسار مهني هادف. في الواقع، أصبحت فكرة المؤسسة الموجهة بالغاية شائعة جداً في السنوات الأخيرة، متجسدة في الحماس الذي يُبديه القادة الجدد في تحديد غايات مؤسساتهم وحث موظفيهم على التواؤم معها في محاولة لتحفيزهم.

تتمثّل المشكلة في اعتبار الغاية "السبب الرئيسي للوجود"، ما يجعل قرار اختيار المسار المهني قراراً مفصلياً وفرصة لا تتكرر. ولعل ذلك هو السبب الذي يدفع نسبة كبيرة من طلابي إلى الاعتقاد أن "تحديد المسار المهني بناءً على الرسالة أو الشغف" هو السبيل الوحيد للعثور على وظيفة مناسبة، ما يُثير فيهم إحساساً بالقلق خلال عملية البحث عن عمل، ويدفعهم إلى التمسك بأول خيار، حتى لو لم يكن ملائماً لهم.

قد يكون لسعيك الجاد في سبيل غايتك أثر سلبي في صحتك النفسية والجسدية، ما يؤدي إلى فقدان الحافز في العمل وإصابتك بمشكلات صحية أخرى نتيجة مقارنة نفسك بالآخرين، مثل اتباع العادات الغذائية السيئة وانخفاض تقديرك لذاتك وشعورك بالإحباط.

طرق أفضل لبناء مسار مهني هادف

فكّر في كيفية تطور علاقتك مع أصدقائك وعائلتك عندما تدخل مرحلة البلوغ. فكلما تقدمت في العمر تغيرت احتياجاتك وأهدافك، وتستمر في التغير طوال حياتك، وبصورة غير متوقعة أحياناً. على سبيل المثال، إن الصفات التي تبحث عنها في شريك حياتك عندما تكون في الثامنة عشرة من عمرك تختلف عن الصفات التي تبحث عنها فيه عندما تبلغ الخامسة والعشرين من عمرك. فأنت تنمو، وتكتسب خبرات جديدة، وتزداد حكمة، ويزيد فهمك للعالم حولك، وتصبح أكثر دراية بنفسك واحتياجاتك مع مرور الوقت. وبالمثل، فإن توقعاتك واحتياجاتك لما تبحث عنه في وظيفتك ومسارك المهني تتغير باستمرار. وقد تتغير غايتك التي حددتها سابقاً (إن كانت لديك غاية بالفعل) أو يكون أثرها ضئيلاً في مسارك المهني.

وبعيداً عن الحكايات والقصص الشائعة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، لا توجد أدلة قوية تدعم فكرة أن الشخص يحتاج إلى غاية محددة لبناء مسار مهني مُرضٍ، بل على العكس تماماً، أي من الشائع جداً أن نسعى لتحقيق غاية ونكتشف لاحقاً أنها وهمية وليست ما نطمح إليه حقاً. في الواقع، تشير الأدلة إلى أن الرضا المهني (أو السعادة المهنية) يرتبط بأهداف أقل طموحاً، مثل ممارسة الأنشطة التي تحبها وتفضّل أداءها وتستمتع بها وتجيدها، إلى جانب ارتباطه بالنمو الناتج عن الاستكشاف وحب الاستطلاع والتعلّم مدى الحياة.

لذلك، إذا شعرت أنك لا تمتلك غاية مهنية فلا تقلق، إذ أظهرت البحوث أن أداء المهام التي تجيدها واستخدام نقاط قوتك المتطورة في العمل يعزز إحساسك بالمعنى، ويعتمد الإحساس بالسعادة والرضا في العمل في النهاية على بناء مسار مهني هادف. في الواقع، يركز مفهوم الغاية على تحديد هدف في الحياة، في حين يرتبط المعنى بإدراك حقيقة أن لعملك قيمة بالنسبة لك أو للآخرين.

وفيما يلي بعض الأسئلة التأملية التي تساعدك على تحويل تركيزك من "الغاية" إلى "المعنى"، وترشدك عند اتخاذك قرار الوظيفة الأولى (أو الثانية) كي تشعر بالسعادة والرضا في العمل.

ما هي الأمور التي أحبها أو أفضلها أو أستمتع بها؟

تخلّ عن الرغبة الملحة في البحث عن الغاية في مسارك المهني، بل توقف قليلاً وأعد النظر في الأمور التي أحببتها (أو لم تحبها) في وظائفك السابقة، أو مشاريعك الدراسية، أو الأنشطة الأخرى التي تقضي وقتك في ممارستها.

على سبيل المثال، لعلك استمتعت بمساعدة نظرائك في ترتيب مهام عملهم، أو بالبحث عن مصادر لمشاريع جماعية، أو بالعمل ضمن فريق بدلاً من العمل الفردي لأنه جعلك تشعر بالتقدير من الآخرين، ويمكنك في مثل هذه الحالة البحث عن منصب يتطلب منك العمل مع فريق بانتظام، وهي نقطة انطلاق جيدة.

حتى لو لم يمثّل عملك الحالي غايتك المهنية النهائية، ستوفر لك ممارسة الأنشطة التي تحبها وتستمتع بها وتجيدها إحساساً بالطاقة والتقدير من الآخرين. وأشجعك على استخدام نقاط الانطلاق هذه لتطوير عادة التعلّم مدى الحياة المعروفة بأنها تخلق شعوراً عميقاً بالسعادة الشخصية.

ما الذي أجيد فعله؟

لا بدّ من أنك اكتسبت العديد من المهارات القابلة للتطوير بداية مسارك المهني، وهي نفسها المهارات التي تتقنها اليوم بالفعل ويمكنك تحسينها وتطويرها أكثر مع الممارسة والتدريب. فكّر في المهارات التي تتحسن فيها تدريجياً؛

لنفترض مثلاً أنك كنت تكره مادة الرياضيات، لكنك تميّزت في مادة المحاسبة في كلية الأعمال، خلاف توقعاتك، واستمتعت بدراستها حتى. أو ربما أدركت أنك تمتلك مهارة في ابتكار أفكار جديدة وتنفيذها؛ يمكنك في مثل هذه الحالة البحث عن منصب يتطلب مهارات محددة، مثل "التخطيط المالي/إعداد التقارير المالية" أو شركات تبحث عن أشخاص يمتلكون عقلية ريادية، فاستخدام المهارات التي تتقنها بالفعل وتحسين هذه المهارات سيحفزانك ويعززان إحساسك بالتقدير والفائدة.

هل سيوفر لي هذا المنصب فرصاً للنمو والتعلم يمكنني الاستفادة منها لاحقاً؟

تخيّل أنك تخرجت من كلية الأعمال، واضطررت إلى تعلم استخدام أدوات تصميم، مثل فيغما (Figma) أو أدوبي إليستريتور (Adobe Illustrator)، على الرغم من أنها لم تكن جزءاً من مقرراتك الدراسية. أو تخيّل أنك قدمت عرضاً تقديمياً نهائياً حول الاستراتيجية مع مجموعة كبيرة من أصحاب المصلحة، واكتشفت كيفية استخدام أدوات مثل تريلو (Trello) أو جيرا (JIRA) لإدارة المشاريع واستمتعت بالعمل عليها.

في الواقع، يتطلب العديد من وظائف البدايات أن يمتلك المتقدمون خبرة في استخدام مثل تلك الأدوات، وتُعتبر هذه الخبرة قيمة وتُضاف إلى قائمة مهاراتك بالفعل. وعلى الرغم من أنها تُصنف ضمن المهارات المرغوبة عادة وليس المطلوبة، فقد يمنحك امتلاكها ميزة إضافية تدعمك للحصول على المنصب، وقد تصبح في النهاية ماهراً في استخدامها وتستمتع بالعمل عليها حتى. وقد تعزز هذه الخبرة فرصك في الحصول على خيارات أكثر في وظيفتك المقبلة.

تساعدك الخيارات على اكتشاف فرص جديدة لم تكن تدركها من قبل وتشجعك على التصرف بناءً عليها، ما يتيح لك تحسين أدائك، أو "تطوير قدراتك" حسب وصف العلماء. وتشير البحوث، إضافة إلى تجاربنا الشخصية السابقة، إلى أن تطوير القدرات يرتبط بزيادة السعادة والرضا والإحساس بالمعنى في الحياة. ومن منا لا يرغب في تحسين أدائه ومهاراته؟ تساعد فرص التعلم والنمو على خلق معنى وقيمة لمختلف جوانب الحياة، بما فيها مكان العمل. ويحدث ذلك حتى لو كان التحسن يشمل مهمة لم تكن جزءاً من اهتماماتنا السابقة.

من المهم أن تدرك عندما تبدأ مسارك المهني أنه لن تمنحك كل وظيفة إحساساً بالمعنى أو السعادة دائماً، وأن وظيفتك اليومية لن تحقق غايتك بالضرورة؛ ولا بأس في ذلك. ثمة العديد من الطرق البديلة لامتلاك إحساس عميق بالغاية من الوظيفة، مثل شغل عمل مستقل جانبي (شركة صغيرة، مدونة، نشرة بريدية)، أو التطوع، أو الانضمام إلى مجلس إدارة مؤسسة مجتمعية محلية، أو حتى المشاركة في نشاط إبداعي تحبه، لكن ليس بالضرورة أن تكون تلك الأنشطة مصدراً للدخل.

قد يبدو وجود غاية مهنية محددة ومخطَّط لها أمراً لطيفاً، لكنه في الحقيقة أمر مبالغ في تقديره. في الواقع، قد لا يكون الالتزام بغاية مهنية محددة مناسباً لواقع عالم الأعمال الذي يشهد تقلبات وتغيرات اليوم. لذا، ابحث عن المعنى في العمل بدلاً من السعي وراء غاية مهنية محددة؛ لتجد السعادة التي تبحث عنها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .